Page 19 - Lybia Flipbook
P. 19
مختلف موزعون في أنحاء البلاد. وأصبح الإنتماء القبلي أو العشائري أعلى صوتاً بعد الثورة كرد فعل على ضعف الحكومة المركزيةوتفتتها.وتوفرالقبيلةوالعشيرةشبكةدعٍمقيمة يمكن اللجوء إليها للحصول على المساعدة والمشورة والحماية.
وتصبح الثقافة ذات قيمة خاصة خلال فترات عدم الإستقرار، لأن الأعراف والقيم هي التي توجه السلوكيات، كما أن التقاليد هي التي توفر الإستمرارية وتربط الناس بأسلافهم وأيضاً ببعضهم البعض. وفي الأوقات العصيبة، فإن مجرد مشاركة وجبة «مبكبكة» التي تتكون من المعكرونة الإيطالية والتوابل البربرية أو مشاركة «الضلمة» أو
وفيحينتتسمالهويةالوطنيةبالقوة،لاتزالالإنتماءات الثقافية الأخرى تحت السطح مباشرة. ومن أبرزها الهويات الإقليمية الفرعية الثلاث بجذورها التاريخية العميقة وهي: المراكز الحضرية المزدحمة في طرابلس في الشمال الغربي من البلاد، وتلال برقة الخضراء في شرقها، ومدن الواحات التجارية التابعة لفزان في الجنوب الغربي منها. وعلى الرغم من أن دستور عام 1951 قد جمع هذه المناطق الفرعية الثلاث تحت راية دولة موحدة، فإنها ما زالت محافظة على مميزاتها
يتم بناء الثقافة في المجتمع عن طريق مجموعة من الأشخاص يتشاركون في المعتقدات والقيم والممارسات. يمكن رؤية هذه القواسم المشتركة في حياتهم اليومية في الطريقة التي يتبادلون فيها التحية، أو يحتفلون فيها بالأحداث المهمة،أوفيالملابسالتييرتديهاالنساءوالرجال.كما أنها توجد في عناصر أقل وضوحاً مثل الذكريات الجماعية والروايات المشتركة والأعراف السلوكية. وفي كثير من الأحيان يكون للجغرافيا أيضاً دورها في الطريقة التي تتشكل بها الثقافات. فعلى سبيل المثال، يميل الأشخاص الذين يعيشون في الصحراء إلى أن يكون لديهم قدر كبير من القواسم المشتركة سوياً أكثر ممن يعيشون بالقرب من البحر. وتكمن قيمة الثقافة في أنها تخلق شعوراً مشتركاً بالهوية والتراث والهدف، كما يمكنها أن تبعث على الفخر ببلد ما، وأن تقوي الترابط الإجتماعي. ولفهم كيفية تأثير الثقافة على المجتمع في ليبيا، لا بد من النظر إلى الخيوط المتعددة التي تشكل نسيجها. وتعتبر الثقافة الليبية الحديثة مزيجاً من التقاليد والأوضاع الجغرافية التي شكلتها موجات الحضارات التي سكنتأرضهاعلىمرالعصوروتركتكُلحضارٍةمنهاآثاراًلا تُمحى على البشر والحجر. فالأبجدية الفينيقية التي إستخدمها الأمازيغ وأطلال المعابد الإغريقية والرومانية والحصون التي تركتها الدولة العثمانية وتلك التي تركها قراصنة البحر المتوسط والتقاليد البدوية المنتشرة في المجتمعات الجنوبية في ليبيا، ورائحة القهوة الإيطالية القوية، كلها تشهد على التاريخ الحافل
الذي تتمتع به ليبيا.
واندمجتهذهالتقاليدالثقافيةالمتعددةفيهويةمتماسكة إبان حرب الإستقلال، حيث أدى الصراع إلى تأجيج الشعور بالوحدةوإفرازالرموزالحديثةللدولةالقوميةومنهاالعلم ثلاثي الألوان والأبطال الوطنيين مثل عمر المختار الذي يمثل الشجاعة والتضحية بالنفس. ولا تزال هذه الرموز تمثل نقاط التفا ٍف للهوية الوطنية والفخر الجماعي، حيث تجمع أطياف
المجتمعات الليبية المتنوعة في بوتقة واحدة.
«البقلاوة» المأخوذتين من العهد
العثماني، يمكن أن تبث الطمأنينة
في النفس وأن تقوي أواصر الوحدة.
والواقع أن الثقافة المشتركة تشكل مصدراًلتحقيقالقدرةعلىالصمود،
لكن غالباً ما يتم تجاهله. ويرتبط
الشعب الليبي إنتماءات عرقية
ودينية وعائلية متعددة تتداخل لتخلق هويته الجماعية. وهذه الهوية الجماعية هي التي يمكن أن تجمع الناس معاً وتتغلب
على القوى التي تفرقهم.
«الثقافة تعبير عن الحياة. وليبيا بلد ثقافة بجميع أنواعها، الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة.» يحيى، 38 سنة
الإجتماعية والسياسية، كما أنها تمثل إعتباراً مهماً في عملية اتخاذ القرار على المستوى الوطني.
وتتمتع الأقليات بأهمية مماثلة،
حيث حافظ الأمازيغ والطوارق والتبو الملتزمون بلغتهم وتراثهم الثقافي على هويتهم المميزة
لعدة قرون. وكثيراً ما كانوا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم «شعوب أصلية»، وقد نجحوا في النأي بثقافتهم المتفردة عن محاولا ٍت لا حصر لها لدمجهم في الثقافة العربية المهيمنة. ولتفادي التهميش والحفاظ على طابعها الفريد، استثمرت هذه المجتمعات المحلية المتميزة في أنظمة الإدارة العامة الخاصة
بها،كماأنهاتواصلبنشاطتعزيَزظهورهاوإسماَعصوتها.
وتمتزجفيكلهذهالجوانبهويُةالقبيلةوالعشيرة،حيث تعمل هذه الهوية الجماعية على توسيع وتعميق الروابط الإجتماعية التي أنشأتها هياكل العائلات والأنساب. وقد قام علماء الأنثروبولوجيا منذ فترة طويلة بإعداد قوائم الإنتماءات القبلية والعشائرية، كما رسموا خرائط لحوالي 140 تجمع
من الصحراء إلى البحر: فسيفساء الثقافة في ليبيا
19