Page 59 - مجلة الثقافة القانونية - العدد الثاني
P. 59
وتقييدها .كما يمكن أي ًضا المساس التعسفى بحقوق المتهم الدستورية أكد المشرع الدستورى فى دستور 2014 أن الأصل العام هو حق الأفراد
فى التنقل والإقامة ،من خلال سلطة الحبس الاحتياطى المخولة قانو ًنا
فى التعبير عن آراءهم بأى وسيلة من وسائل التعبير والنشر العلنى أو
لسلطة التحقيق الابتدائى ولمحكمة الموضوع. غير العلني .تعد تلك القاعدة العامة المنظمة للتعبير والنشر بجميع
صورهم والتى ُأضفى عليها حماية دستورية .ما يرد خلاف ذلك من
سلوك الإزعاج بطبيعة الحال لا ُيتصور فيه أن يكون صورة من صور
التحريض على العنف ،أو التمييز بين المواطنين ،أو أن يشكل صورة من قواعد دستورية أخرى فى ذات الدستور يكون محض استثناء فى حدود
صور الطعن فى أعراض الأفراد .فسلوك الإزعاج هو محض انزعاج ضيقة ،لا يجوز التوسع فيها.
للمجنى عليه نتج عن إساءة استخدام الجانى لوسائل الاتصالات .من كما أكد المشرع الدستورى على ذلك مرة أخرى من خلال كفالة وضمان
ثم ،فإن توقيع عقوبة الحبس الذى لا يقل عن أربع وعشرون ساعة ولا الحريات المتفرعة من ذلك الحق ،ومنها حرية الإبداع الفنى والأدبي ،وحرية
يزيد على ثلاث سنوات كأحد العقوبات السالبة للحرية على مرتكب الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكتروني .وحظر
هذه الجريمة ،يشكل مخالفة صريحة لنصوص الدستور. الدستور التعدى على أى من تلك الحريات بأى صورة من الصور .امتد
يشكل نص المادة 76 من قانون الاتصالات عدوان على حريات الأفراد، ذلك الحظر لحصر حق التقاضى لطلب وقف أو مصادرة الأعمال الفنية
وعلى وجه خاص الحرية الشخصية المنصوص عليها فى المادة )54( من أو الفكرية أو الأدبية فى النيابة العامة دون غيرها.
الدستور ،وحرية التنقل والإقامة المنصوص عليها فى المادة )62( من وضع المشرع الدستورى أي ًضا قي ًدا على مبدأ التجريم والعقاب؛ فحظر
الدستور .كما أنه يعد تعطي ًل وانتقا ًصا وتقي ًدا يمس أصل وجوهر على المشرع العادى توقيع أى عقوبة جنائية تنال من الحرية الشخصية
الحقوق اللصيقة بشخص المواطن المنصوص عليها فى المادة )92( من
للأفراد نتيجة ممارستهم لحرياتهم فى التعبير عن آراءهم أو أفكارهم
الدستور ،وينطوى على عوار فج فى صياغته الحالية مما يجعله مشوبًا بأى من الصور سالفة البيان .كما حظر توقيع عقوبة سالبة للحرية فى
بعدم الدستورية.
الجرائم التى ُترتكب بطريق النشر أو العلانية ،وذلك ك ًأصل عام .وكذلك
التجريم والعقاب ثكاان ًنياا:ل غممخوالفضةوااللنإبهاصملمابللدأذانشرشعايباة الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكري.
نص المادة 76 من
الاتصالات قانون جاء هذا الحظر مطل ًقا ومحررًا من أى قيد .استند المشرع فى هذا
الحظر إلى عينية الجريمة وطريقة ارتكاب السلوك الإجرامي ،باعتبار أن
أسبابًا رئيسية فى ظهور إشكاليات تطبيق هذا النص على النحو سالف
البيان .لم يقتصر الغموض والإبهام فقط على التوسع فى مفهوم الإزعاج، النشر أو العلانية هما المعيارين الوحيدين اللازم توافر أى منهما فى أى
إنما امتد إلى طبيعة وسيلة الاتصال المستخدمة فى ارتكاب الجريمة. سلوك إجرامي .ومتى توافر أحد المعيارين وجب على المشرع التزام بأن
وسيلة الاتصال المستخدمة هى أول شرط أو عنصر مفترض يلزم تحققه تكون العقوبة التى يقررها كجزاء جنائي – لهذا السلوك – غير سالبة
لقيام الجريمة .يسرى نص المادة 76 على وسائل الاتصالات السلكية للحرية ،دون أن يتوقف ذلك على صفته أو وظيفته مرتكب هذا السلوك؛
واللاسلكية .إلا أن جانب كبير من القائمين على تطبيق القانون يرى فالمشرع الدستورى قد استند إلى معيار طريقة ارتكاب الجريمة ،وليس
وسائل الاتصالات التى تستخدم المعالجة الإلكترونية أو التى تستخدم شخص أو صفة مرتكبها ،فلم يشترط فيه صفة معينة– كالصحفى أو
إحدى وسائل تقنية المعلومات أو الاتصالات التى تتم عن طريق نظام الكاتب أو الأديب أو الفنان أو المخرج أو المنتج أو الناشر أو الطابع أو
أو شبكة معلوماتية هى من بين وسائل الاتصالات التى يسرى عليها الموزع أو غيرهم– إنما جاء مطل ًقا يسرى على جميع الأفراد .استثنى
من ذلك فقط ثلاثة صور من الجرائم على سبيل الحصر ،هم :الجرائم
نص المادة.76
يأتى هذا على الرغم من أن وسائل الاتصالات تلك مستثناه من أحكام المتعلقة بالتحريض على العنف ،أو بالتمييز بين المواطنين ،أو بالطعن
قانون الاتصالات ،حيث أقر لها المشرع قانو ًنا خا ًصا ينظم أحكامها، فى الأفراد.
وبالأخص فى شأن التجريم والعقاب ،وهو قانون مكافحة جرائم تقنية
كما أضفى أي ًضا المشرع الدستورى الحماية الدستورية على الحق
المعلومات رقم 175 لسنة .2018 سبب هذه الإشكالية هو أن المشرع لم فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها ،وحظر التعسف
يعيد النظر فى نص المادة 76 من قانون الاتصالات بعد صدور قانون فى حرمان المواطنين من استخدامها .وسائل الاتصال العامة التقليدية
مكافحة جرائم تقنية المعلومات وسريان أحكامه. والمستحدثة بكافة أشكالها وصورها هى أدوات للتعبير عن الرأى بالنشر
تجلى الغموض والإبهام أي ًضا فى شأن الشرطين الثانى والثالث اللازمين أو بالقول ،أو بالكتابة ،أو بالتصوير .الغاية من حظر توقيع العقوبات
لقيام الجريمة .الشرطين هما وجود اتصال مباشر بين طرفين أحدهما
السالبة للحرية على جرائم النشر والعلانية كأصل عام هى حماية للأفراد
مرسل وهو مرتكب الجريمة والآخر مستقبل للاتصال وهو المجنى عليه، المخاطبين بأحكام الدستور من أى استبداد أو طغيان أو ترهيب أو تهديد
وأن يجرى هذا الاتصال بين الطرفين فى غير علانية .إلا أن جانب لحرياتهم الشخصية قد يتعرضوا له من جانب السلطة التنفيذية ،أو
كبير من القائمين على تطبيق القانون لا يزال يرى أن النموذج القانونى التشريعية ،نتيجة للتعبير عن آرائهم.
لجريمة تعمد إزعاج الغير ،المنصوص عليها فى هذا النص ،يسرى على على الرغم مما سبق ،غاب عن المشرع إعادة النظر فى نص المادة 76 من
أى سلوك حتى وإن كان لا يتصور أب ًدا ارتكابه إلا فى علانية ،ودون وجود تاقللدسعتونر .خمعل ًسمامابئأةنجانليقهانوولنا الاتصالات بعد سريان أحكام هذا قانون
أى اتصال مباشر بين الجانى والمجنى عليه .مثال على ذلك هو النشر عقوبتى الحبس والغرامة ،التى لا تضمن
بجميع صوره التى من بينها كتابة المنشورات ،أو نشر الصور على مواقع تجاوز عشرين ألف جنيه ،أو بإحدى هاتين العقوبتين كجزاء جنائى على
التواصل الاجتماعى عبر استخدام معالجة إلكترونية ،أو باستخدام ارتكاب جريمة تعمد إزعاج الغير بإساءة استخدام وسائل الاتصالات.
إحدى وسائل تقنية المعلومات ،أو عن طريق نظام أو شبكة معلوماتية. لا يقتصر أثر توقيع النص فى حالة القضاء بإدانة المتهم بحكم قضائى
ترتب على ذلك غموض وإبهام أصبح معه مضمون نص المادة 76 مجه ًل،
على مجرد عقوبة سالبة للحرية لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات؛ بل
وأهواء وتفسيرات بمعان نص المادة مرتب ًطا وشخاخف ًيصاي .ة،كمناابأعةصبمحنت اطلبفيهقم يمتد الأثر إلى ما يجاوز احتمال ذلك .يترتب على توقيع النص توافر
تطبيقه .أدى ذلك على الخاص للقائمين
أبريل 2024 أحد مبررات الحبس الاحتياطى لحبس المتهم بهذه الجريمة احتياط ًيا
بدوره إلى اختلاف القضاء فى أمر نص المادة ،وتعدد اتجاهات المحاكم، لللححيرنيةالافلمقصرلرةفبىمومجوبضوعهذاالدالعنوىص .قذلدكت نصظل ًراإللىكوانل احلبعقسوبمةداةل ثسلاالبةث
وتفسيراتها.
جرمت بعض المحاكم الفعل ما دام أجرى فى غير علانية عبر اتصال سنوات ،مما يترتب عليه إمكانية المساس بحرية المتهم الشخصية تعس ًفا
59