Page 21 - مجلة الثقافة القانونية - العدد الثاني
P. 21
للمسيحيين واليهود فمبادئ شرائعهم هى الحاكمة لشئون أحوالهم الشخصية والدينية موافقة الشعب المصرى فى الاستفتاء ،أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى يوم
واختيار قياداتهم الروحية. 30مارس 2011إعلاناً دستوريا من 63مادة مشتملاً على أغلب التعديلات التى تم
كما اعتمد الم ُشرع الدستورى « اللغة العربية « كوسيلة للتواصل الرسمى داخل اقرارها فى الاستفتاء بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى.
الدولة المصرية فى المادة الثانية من الدستور ،وهو ما يعكس إدراكاً لا لبس فيه من و تم استفتاء الشعب الدستور الجديد لمصر «دستور . »2012وفى 25ديسمبر
جانب الم ُشرع لأهمية الدور الذى تلعبه اللغة فى حياة الشعوب -فى تسطير تاريخها،
2012صدر الدستور.
ونقل معارفها ،وتناقل أخبارها. بعد قيام ثورة 30يونيو المجيدة أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى
غير أن إدراك أهمية الحفاظ على اللغة العربية لم يمنع الم ُشرع الدستورى فى تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا ،المستشار عدلى منصور.تم تشكيل
المادة ( )٤٨من التشجيع على حركة الترجمة من العربية وإليها ،فهذه الترجمة هى لجنة من 10خبراء قانونيين لتعديل الدستور كأول خطوة من خطوات خارطة الطريق
التى تعكس التوازن المطلوب بين حماية الخصوصية الثقافية للمجتمع المصري ،وبين السياسية ،أنهت لجنة العشرة عملها فى 20أغسطس ،2013لتشكل لجنة الخمسين
الانفتاح على الآخر والتواصل معه والانتفاع من معارفه وعلومه ،دون أن يترتب على هذا فى 1سبتمبر 2013كثانى خطوات تعديل الدستور .وبدأت اللجنة أعمالها فى 8
الانفتاح أو ذلك التفاعل إذابة أو َط ْمس الهوية اللغوية العربية داخل المجتمع المصري . سبتمبر ،2013ووضعت مسودة الدستور بعد 60يوماً من هذا التاريخ ،حيث قامت
كما أن النص فى المادة ( )٢٤من الدستور على أن «اللغة العربية والتربية الدينية بتعديل المواد الخلافية فى الدستور وخاصة فى باب نظام الحكم .عرضت المسودة
والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم قبل الجامعى الحكومى والخاص»
لهو توكيد على هذا الفهم وتكريس للحفاظ على أهم وسائل الترابط الثقافى داخل للاستفتاء الشعبى فى يناير ، 2014وصدر الدستور فى 18يناير 2014
وأخير تمت تعديلات على هذا الدستور أُعلنت نتائج الاستفتاء عليها فى 23
المجتمع – ألا وهى لغة التواصل داخله.
وعندما نص الم ُشرع الدستورى فى المادة العاشرة من الدستور على أن «الأسرة أساس أبريل .2019
المجتمع ،قوامها الدين والأخلاق والوطنية ،وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها
وترسيخ قيمها» ،فإنه يكون قد َو َّفر حماية واسعة النطاق للبنة الأولى داخل المجتمع الثقافة فى الدستور المصري
المصري ،وهى الأسرة؛ فالطابع الدينى والأخلاقى لمؤسسة الزواج وحماية ذلك الميثاق تضمنت ديباجة الدستور المصرى الصادر عام ٢٠١٤ و الم ُعدل عام ، ٢٠١٩تقعيدا
الغليظ والرباط الم ُقدس بين «الزوج والزوجة» هو الذى حدا بالمشرع لإفراد هذه العلاقة محددا لأسس هذا الدستور الحاكم للدولة المصرية ؛ ابتدرتها بعبارة « هذا دستورنا
بنص دستورى خاص؛ حمايةً لبنيان الأسرة داخل المجتمع المصري. مصر هبة النيل للمصريين ،وهبة المصريين للإنسانية .مصر العربية -بعبقرية موقعها
وقد فطن الم ُشرع الدستورى المصرى لأهمية الحفاظ على الخصوصية الثقافية،
فأضفى عليها حماية دستورية َف َّعالة فى جانبيها المادى والمعنوي ،سواء فيما يتعلق وتاريخها -قلب العالم كله ،فهى ملتقى حضاراته وثقافاته «
بالهوية المصرية عموماً ،أو هوية الم ُكونات البشرية الفرعية داخل المجتمع المصري،
وهى الحماية التى تجد أساسها فى بعض النصوص الدستورية الم ُباشرة ،أو عبر ثم استعرضت الديباجة تاريخ الحضارة المصرية العريقة فى صياغات جامعة
العديد من النصوص الأخرى التى تخدم بشكل أو أخر ذات المقصد. مانعة بقولها أنه « :فى مطلع التاريخ ،لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب
إلا أنه ينبغى أن يظل جلياً أن الحماية الدستورية للخصوصية الثقافية ليست
بالم َ َّرة دعوة للانعزال أو التشرنق ،أو إيقاف مسار الحراكات التقدمية ،كما أنها ليست أجدادنا العظام فاتحدت إرادتهم الخيرة ،وأسسوا أول دولة مركزية ،ضبطت ونظمت
َه َوساً ُمفرِ َطاً بأفكار الأصالة ،أو تكريساً ُمغالياً لهيمنة التراث على حساب الحداثة
والم ُعاصرة ،كل ما هنالك أن حماية هذه الخصوصية ليست إلا سعياً وراء الحفاظ حياة المصريين على ضفاف النيل ،وأبدعوا أروع آيات الحضارة ،وتطلعت قلوبهم إلى
على البناء الاجتماعى والمنظومة الأخلاقية للجماعة ضد محاولات التذويب الثقافى
وإماهة أوجه تفردها ومظاهر اختلافها .ولا شك أن َف ْرز المخاوف الم ُبالغ فيها من السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة.
المخاوف المشروعة يد ّق فى كثير من الفروض ،وهنا يتجلى دور الرقابة الدستورية
مصر مهد الدين ،وراية مجد الأديان السماوية.
فى تمحيص هذه المخاوف لإيجاد الخط الفاصل بين هذه وتلك.
كذلك حظيت الحقوق والحريات الثقافية فى الباب الثالث من الدستور المصرى وحول احتواء الحضارة المصرية لجميع الأديان السماوية أردفت ديباجة الدستور أنه
،بقدر وافر من العناية والتفصيل على نحو يدل على أهميتها من جانب المشرع
« :فى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام ،وتجلى له النور الإلهي ،وتنزلت
الدستورى ؛
فقد كفلت المادة 65حرية الفكر والرأى .ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، وعـلـى أرضـهـا احتضن المـصـريـون السيدة عليه الرسالة فى طور سنين .
أو بالكتابة ،أو بالتصوير ،أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. العذراء ووليدها ،ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعاً عن كنيسة السيد المسيح عليه
كما كفلت المادة 67كذلك حرية الإبداع الفنى والأدبى ،وألزمت الدولة بالنهوض السلام .وحين بعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام ،للناس كافة،
بالفنون والآداب ،ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم ،وتوفير وسائل التشجيع اللازمة
لذلك .ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية ليتمم مكارم الأخـاق ،انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسـام ،فكنا خير أجناد
والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة ،ولا توقع عقوبة سالبة للحرية
فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكري ،أما الجرائم الأرض جـهـاداً فى سبيل الله ،ونشرنا رسالة الحـق وعلوم الدين فى العالمين.
المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، هذه مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا.
فيحدد القانون عقوباتها .وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض
جزائى للمضرور من الجريمة ،إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما ثم انتقلت الديباجة إلى عبقرية الثقافة المصرية المعاصرة ،بأنها « :فى العصر
لحقه من أضرار منها ،وذلك كله وفقاً للقانون. الحديث ،استنارت العقول ،وبلغت الإنسانية رشدها ،وتقدمت أمم وشعوب على طريق
و ألزمت المادة 69الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها فى كافة
المجالات ،و ُتنشئ جهازاً مختصاً لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية ،وينظم العلم ،رافعة رايات الحرية والمساواة ،وأسس محمد على الدولة المصرية الحديثة،
وعمادها جيش وطني ،ودعا ابن الأزهـر رفاعة أن يكون الوطن «محلاً للسعادة
القانون ذلك.
كما نصت المـادة 82على أن تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء ،وتعمل على المشتركة بين بنيه» ،وجاهدنا -نحن المصريين -للحاق بركب التقدم ،وقدمنا الشهداء
اكتشاف مواهبهم ،وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعي ًة،
وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعي ،وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة. والتضحيات ،فى العديد من الهبات والانتفاضات والثورات ،حتى انتصر جيشنا الوطنى
وأيضا ألزمت المادة 83الدولة بضمان حقوق المسنين صحياً ،واقتصادياً ،واجتماعياً،
وثقافياً ،وترفيهياً وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة ،وتمكينهم من المشاركة للإرادة الشعبية الجارفة فى ثورة « 25يناير – 30يونيو « التى دعت إلى العيش بحرية
فى الحياة العامة .وتراعى الدولة فى تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين،
كما تشجع منظمات المجتمع المدنى على المشاركة فى رعاية المسنين .وذلك كله على وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية ،واستعادت للوطن إرادته المستقلة» .
و قد خصص الدستور المصرى الصادر عام ٢٠١٤ و الم ُعدل عام ٢٠١٩فصلاً
النحو الذى ينظمه القانون. كاملاً عنوانه « :المقومات الثقافية» ،وذلك تكاملا مع فصلين آخرين شملها الباب
وتلك المادة 93التى ألزمت الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق
الإنسان التى تصدق عليها مصر ،وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع الثانى حول المقومات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع.
المقررة. فقد ألزمت المادة ٤٧من الدستور ؛ الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية
وأخيرا ففى الفصل الثانى من الباب السادس المعنون الأحكام العامة والانتقالية
تحدثت المادة 236من الدستور أن الدولة تكفل وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، بروافدها الحضارية المتنوعة.
والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة ،ومنها الصعيد وسيناء ومطروح
ومناطق النوبة ،وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة فيما قررت المادة ٤٨من الدستور بأن الثقافة حق لكل مواطن ،تكفله الدولة وتلتزم
منها ،مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي ،خلال عشر سنوات من
بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب ،دون تمييز بسبب
تاريخ العمل بهذا الدستور ،وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك ،وتولى اهتما ًما خا ًصا بالمناطق النائية
والفئات الأكثر احتيا ًجا ،وتشجع الدولة حركة الترجمة من العربية وإليها .
وتنميتها خلال عشر سنوات ،وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
وتلتزم الدولة وفقا للمادة ٤٩بحماية الآثار والحفاظ عليها ،ورعاية مناطقها،
21
وصيانتها ،وترميمها ،واسترداد ما استولى عليه منها ،وتنظيم التنقيب عنها والإشراف
عليه .ويحظر إهداء أو مبادلة أى شيء منها .والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة
لا تسقط بالتقادم.
وتؤكد المادة ٥٠من الدستور أن تراث مصر الحضارى والثقافي ،المادى والمعنوي،
بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى ،المصرية القديمة ،والقبطية ،والإسلامية ،ثروة قومية
وإنسانية ،تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته ،وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى
والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته ،والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها
القانون .وتولى الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر.
و تجد حماية الخصوصية الثقافية فى التنظيم الدستورى المصرى أساساً دستورياً
فى المادتين الثانية والثالثة من الدستور المصرى .
فالمادة الثانية من الدستور التى نصت على أن «الإسلام دين الدولة ،واللغة العربية
لغتها الرسمية ،ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
أبريل 2024 كذا ما نصت عليه المادة الثالثة من الدستور من أن «مبادئ شرائع المصريين من
المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية ،وشئونهم
الدينية ،واختيار قياداتهم الروحية» .
فهاتان المادتان َك َّر َستا لل ُبعد الدينى للخصوصية الثقافية داخل المجتمع المصري،
فالإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريعات ،وبالنسبة