Page 54 - العدد 187 من مجلة شاعر المليون
P. 54
مـقــــال.. د. خالد الوغلاﻧﻲ
ثلاثية الح ّب والجرح والقصيدة
قراءة في ديوان »جرح الكمنجات« للشاعرة التونسية سنيةالمّدوري
الرغممنذلكتظّلللحّبأبعادأشّدعمقاً في وجودها الإنساني، خاصة حينما تقول: عـــــــّجـــــــْلبـــــــمـــــــاٍءخـــــــالـــــــق،ُخـــــــــــْذدهـــشـــتـــي وازرْعبـــــــــــذورالـــــعـــــشـــــقفـــــــيأعــــتــــاِبــــهــــا إّنالـحـّببـهـذاالمنظورليسسوى لحظةالخلقالأولىالتيتكونبهاالمرأة كياناًكامًلا،فيهمندهشةالمعرفةمافيه من بذور الإرادة وشوق الحياة لذلك تعتبر الشاعرةالحّببصيرتهاالتيتـرىبها العالموالقيم،وبدونهاتتحّولالحياةإلى
عتمة عمياء غارقة في الظلمات:
أغــــمــــضــــت عــــيــــنــــي وا ّتــــــبــــــعــــــ ُت هــــــــــــوا َك يــا أنــــــــَتالــــبــــصــــيــــَرُةفـــــيالــــــ ُّدنــــــىالـــعـــمـــيـــاِء هـكـذا تـتـنـازل الـشـاعـرة العاشقة عن بصرهالتبحثعنبصيرةتدركبهاالعالم بمحسوِسهومجّرده،بقيمهوملّذاته،ترى العالمبعينيحبيبها،إذليسالعالمفي منظورهاسوىشعورعميقبالوجودوشوق
مطلق لتحقيق الكيان بالحبيب وفيه.
عـــــمـــــيـــــاُءوالـــــــطـــــــرقـــــــاُتفـــــيـــــَكتـــشـــّعـــبـــْت ابــــــســــــ ْط رؤا َك لــــكــــي أطـــــيـــــر وأصــــــعــــــ َدا هكذايجمعالعمىبينالشاعرةوالحياة فلابصرإلاالحبيب،ولابصيرةإلاالحّب، إذعلىهذاالنحوترىالشاعرةنفسها حّرةطائرة،بلصاعدةإلىأعلىالمراتب الإنسانيةالمتساميةعنالحيوانية.ومع ذلك لا تبدو حياة الشاعرة هادئة بحبها، فبقدرما»يصدحالحّب«فيدماءالشاعرة »بأغانيه« العذبة »تتلعثم الأغنيات« في دمـهـا وتـتـحـ ّول الـشـاعـرة الـمـنـشـدة إلـى
علىحرّيةمطلقةتجعلمنهطائراًمنفلتاً من ك ّل الحدود والقضبان الـــــــحـــــــّبطــــــيــــــٌرولاقـــــضـــــبـــــانتـــســـجـــنـــه أمـــــــــــــــواُهغــــيــــمــــتــــهمـــــــنغــــيــــمــــةالــــــــَحــــــــَدِق
إّنـهذلكالعالمالمفتوحعلىالسعادة اللانهائّيةالتيتملأالدنياارتواءلاتحّده دمعةالسعادةولاتسعهفرحةالوصال، عالم يكاد ينفلت من حقيقة الموت ليفرض نفسهحقيقةخالدةتغالبالعدموترنوإلى ماوراءبرزخالموتفيالأبديةالمفتوحة
على كل الأزمان أو على اللازمان.
ســــيــــعــــيــــش هـــــــــذا الـــــــحـــــــ ّب بـــــعـــــد مـــمـــاتـــنـــا دعــــــــنــــــــانـــــــعـــــــّجـــــــلمــــــــــوعــــــــــَدالــــــتــــــأبــــــيــــــِن هكذا تبحث الشاعرة عن السعادة في الحّبخارجهذاالعالم،تبحثعنهافي ماوراءالموت،تحاولأنتعّجلبالرحيل لتسعدبحبيبهاسعادةمطلقةلاينّغصها شـيء،فالحّبيمنحهاالأنــس،إذليست المرأةفيمنظورهاسوىطفلةتتحّولبين يديحبيبهاإلىقطة،لاتبحثسوىعن الأنس والأمان من مخاطر هذا العالم، إنه السكنالإنسانيالذيبدونهتتحّولالحياة
إلى غابة يصعب العيش فيها:
إنــــــــــــــيأحــــــــــــّبــــــــــــَكغـــــــــيـــــــــَرأنــــــــــــــيطـــــفـــــلـــــٌة دَلـــــــــفـــــــــْتإلـــــــيـــــــَككـــــقـــــطـــــٍةكــــــــــْيتـــــأَنـــــَســـــا وعـلـىالــرغــممــنأّنالـحـبيفترض التكافؤ بين المرأة والرجل تتنازل المرأة المحّبةلصالحطبيعتها،بلتغلبعليها هـذه الطبيعة، فتعود في هشاشة طفلة ورقةقّطةصغيرةباحثةعنالسكن.وعلى
للحّبفيفضاءالمرأةالإبداعيعالم غامض لا تكتنفه الأسئلة إلا لتفتحه على المتناقضاتالإنسانيةلاداخــلالمرأة وحدها،بلداخلالرجلوالمجتمعوقيمه أيــضــاً،فلطالماكـانـتالــمــرأةشّماعة يعلّقالمجتمعالــذكــورّيعلىجسدها كّلمتناقضاتهالعجيبة،فهيفيأدبياته حطب الشهوة وأيقونة الطهر، ومتعة الدنيا وحـوريـةالــفــردوس،رمــزمـــزدوجللنعمة الإلـهـّيـةالـمـقـّدسـةوالنقمةالشيطانية المدّنسة،يتلاعببهاالمخيالالذكورّي ذاتالمقّدسالمريميفيصورةالعذراء حيناً،وذاتالمدّنسالزليخيفيصورة الأنــثــى الـفـاتـنـة فــي الـمـطـلـق الإنـسـانـي أحياناً.هذهالمرأةالمتأرجحةفيرؤية المجتمعبينطهرالقديسةوغوايةالبغّي فيالمخيالالذكوريالغارقفيالانفصام هينفسهاالتيتسائلسنيةالـمـّدوري الـحـّبعنهافـيديـوانـهـاالجديدالـذي وسمتهبـ»جرحالكمنجات«،والذييصدر عن دار الفردوس، الوجه الأدبـي الأجمل لسنيةالـمـدوريالأموالـمـرأةوالناشرة والشاعرة في آن. وهو ديوان يكاد يصدح عـنـوانـهبحقيقةالــحــّببـيـنالانـفـصـام الذكوريوالجرحالأنثويوقدتماهىمع أنينالكمنجاتبينعتمة»رجلمنرخام«
ومأساة المرأة »ال ّدمية«.
في ماه ّية الحب الأنثوي
ينفتحالحّبفيعالمسنيةالمدوري
شاعر المليون العدد 187 أغسطس 2022
52