Page 24 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 24

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                      ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الاعتـ ارف العـام‪ ،‬ومسـاندة المجموعـات العرقيـة الثقافيـة‬       ‫كيمليـكا أن ذلـك صحيـح فـي مجـال التعدديـة الثقافيـة؛‬
‫غيـر المسـيطرة‪ ،‬سـواء كانـت هـذه الجماعـات أقليـات‬              ‫حيـث نجـد أن المعاييـر والمقاييـس قـد تشـكلت – إلـى‬
‫“جديـدة” (كالمهاجريـن واللاجئيـن)‪ ،‬أو أقليـات قديمـة‬            ‫حـد كبيـر جـًّدا – مـن التجـارب والخبـ ارت الغربيـة‪ ،‬مـع‬
‫(كالأقليـات المسـتقرة تاريخًّيـا والسـكان الأصلييـن)‪ ،‬وهـذا‬     ‫مسـاهمة ضئيلـة مـن بقيـة أنحـاء العالـم‪ ،‬بـل إن المعاييـر‬
‫يغطـي أنوا ًعـا مختلفـة مـن الأقليـات‪ ،‬وجـزء كبيـر مـن‬          ‫التـي تقدمـت باسـم “المجتمـع الدولـي” قـد تمـت مقاومتهـا‬
‫كتـاب كيمليـكا “أوديسـا التعدديـة الثقافيـة”‪ ،‬يـدور حـول‬        ‫ورفضهـا فـي أجـ ازء كثيـرة مـن العالـم‪ ،‬بوصفهـا تعكـس‬
‫فحـص الكيفيـة التـي تواجـه بهـا المعاييـر الدوليـة هـذه‬         ‫– ببسـاطة – تحيـ ازت الغـرب وهمومـه‪ ،‬ولقـد أدى الـا‬
‫الاختلافـات‪ ،‬ويـرى أن مـا هـو مشـترك بينهـا جمي ًعـا هـو‬        ‫تماثـل الدولـي ببعـض المعلقيـن إلـى القـول بـأن علينـا أن‬
‫أنهـا تجـاوز حمايـة الحقـوق المدنيـة والسياسـية المكفولـة‬       ‫نسـتبدل بالحديـث عـن “المجتمـع الدولـي” الحديـث عـن‬
‫لجميـع الأفـ ارد فـي دولـة ديمق ارطيـة ليب ارليـة‪ ،‬لتمتـد إلـى‬  ‫“القـوى الغربيـة”‪ ،‬أو حتـى الهيمنـة الأمريكيـة”‪ ،‬ومـن‬
‫مسـتوى مـا مـن الاعتـ ارف العـام ومسـاندة الأقليـات‬             ‫وجهـة النظـر هـذه فـإن المنظمـات الدوليـة تكـون أسا ًسـا‬
‫العرقيـة الثقافيـة فـي الحفـاظ علـى هوياتهـا والتعبيـر‬          ‫وسـائل لتقـدم المصالـح السياسـية الجغ ارفيـة للـدول‬
                                                                ‫الغربيـة الأكثـر قـوة‪ ،‬وليسـت آليـات لتوحيـد وتنميـة القيـم‬
                   ‫عنهـا وعـن ممارسـاتها المميـزة‪.3‬‬             ‫المشـتركة لشـعوب العالـم‪ ،‬ومـن ثـم فـإن نشـرها للتعدديـة‬

‫لكـن لمـاذا كل هـذا الاهتمـام الدولـي بحقـوق الأقليـات‬            ‫الثقافيـة هـو جـزء مـن “دهـاء العقليـة الاسـتعمارية”‪.1‬‬
‫القوميـة‪ ،‬ألا يشـكل ذلـك شـأًنا داخلًّيـا فـي أي دولـة؟ فـي‬
‫الفصـل الثانـي بعنـوان‪“ :‬السـياق الدولـي المتغيـر‪ :‬مـن‬          ‫لكـن أليـس الواقـع العربـي ال ارهـن يؤكـد لنـا “دهـاء‬
‫حقـوق الإنسـان الشـاملة فيمـا بعـد الحـرب إلـى حقـوق‬                                        ‫العقليـة الاسـتعمارية”؟‬
‫الأقليـات بعـد الحـرب البـاردة”‪ ،‬يجيـب كيمليـكا عـن هـذا‬
‫التسـاؤل وغيـره مـن التسـاؤلات المتعلقـة بهـذا الأمـر‬           ‫فهـل مـن السـذاجة افتـ ار ُض أن المعاييـر التـي تبنتهـا‬
‫موض ًحـا أن الموجـة الحديثـة مـن النشـاط الدولـي فـي‬            ‫التعدديـة الثقافيـة تعكـس ضرًبـا مـن الإجمـاع الدولـي‬
‫مجـال حقـوق الأقليـات تعتمـد علـى افتـ ارض أن المسـائل‬
‫المتعلقـة بد ارسـة الأقليـات هـي أمـور موضـع اهتمـام‬                                                     ‫الأصي ـل؟‬
‫دولـي مشـروع‪ ،‬وعليـه فهـي لا تشـكل حص ّرًيـا شـأًنا‬
‫داخلًّيـا فـي أي دولـة‪ ،‬وقـد أقـرت عـدة منظمـات دوليـة‬          ‫يعتقـد كيمليـكا أن المنظمـات الدوليـة – لسـوء الحـظ‬
‫هـذا الافتـ ارض بشـكل واضـح منـذ عـام ‪ 1900‬لتبريـر‬              ‫– كثيـًار مـا مارسـت اسـتقلالها الذاتـي بطريقـة حبسـتها‬
‫صياغـة معاييـر وآليـات رقابيـة جديـدة‪ ،4‬يقـول كيمليـكا‪:‬‬         ‫فـي ألغـاز أخلاقيـة وغايـات سياسـية ميتـة؛ ممـا عقـد‬
‫هنـاك مبـدأ اسـتقر منـذ مـدة طويلـة فـي القانـون الدولـي‬        ‫آمالهـا مـن أجـل الانتشـار العالمـي للتعدديـة الثقافيـة‬
‫يقـول إن لـكل “الشـعوب” الحـ َّق فـي “تقريـر المصيـر”‪،‬‬
‫ويمكـن للحكـم الذاتـي الداخلـي أن ُيـرى كامتـداد لهـذا‬                                                 ‫الليبراليـة ‪.2‬‬

                                                                ‫يركز كيمليكا على”المنظمات الدولية” التي صاغت‬
                                                                ‫المعاييـر والمقاييـس فـي مجـال التنوعـات العرقيـة‪،‬‬
                                                                ‫وكذلـك علـى شـبكات السياسـة العالميـة التـي تسـاعد‬
                                                                ‫“المنظمـات الدوليـة” فـي هـذه المحاولـة‪ ،‬إنـه يتحـدث‬
                                                                ‫عـن المنظمـات الدوليـة التـي تنخـرط فـي تعزيـز التعدديـة‬
                                                                ‫الثقافيـة‪ ،‬التـي تسـتهدف توفيـر مسـتوى معيـن مـن‬

‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬                                         ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬                                         ‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬
                            ‫‪24‬‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29