Page 66 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 66

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫المشـترك فـي ضـوء النظريـة الخلقيـة العاملـة‪ ،‬والعكـس‬             ‫حـس مشـترك ‪ commonsense‬بالخلـق العـام‪ .‬وهـذا‬
‫بالعكـس‪ ،‬يمكـن أن تسـتمر بـا نهايـة وتعـرف بوصفهـا‬                ‫الخلـق العـام يتألـف بـدوره مـن معاييـر للسـلوك متباينـة‬
‫منه ًجا للتوازن الانعكاسي واسع المدى‪ .‬ومعظم فلاسفة‬                ‫وواجبـات والت ازمـات وقيـم ومبـادئ تأتـي – بدورهـا –‬
‫الأخـاق يـرون أن هـذا المنهـج يمكـن أن يقـدم أسـلوًبا‬             ‫مـن مصـادر قريبـة منـا مثـل الأبويـن والمدرسـين ورجـال‬
                                                                  ‫الديـن والأدب والموسـيقى‪ ،‬ووسـائل الإعـام وهكـذا‪.‬‬
          ‫أمثـل لتبريـر النظريـات الخلقيـة العامـة(‪.)7‬‬            ‫يطلـق فلاسـفة الأخـاق علـى هـذه المعاييـر خلـق‬
                                                                  ‫الحـس المشـترك العـام؛ وذلـك لأنهـا بمنزلـة المعاييـر‬
           ‫هل نحن في حاجة إلى نظرية أخلاقية جديدة؟‬                ‫التـي فـي ضوئهـا يتعلـم معظـم النـاس‪ ،‬ويمارسـونها‬
                                                                  ‫مـن دون تنظيـر واضـح أو تحليـل عميـق‪ .‬والواقـع أن‬
‫سـنحاول الآن معرفـة مـا إذا كان البحـث عـن‬                        ‫بع ًضـا مـن هـذا الخلـق يتضمـن مبـادئ مهمـة مثـل‬
‫نظريـة أخلاقيـة ملائمـة ‪ -‬للمسـتجدات التـي طـ أرت‬                 ‫“عامـل الآخريـن كمـا تحـب أنـت أن يعاملـوك”‪“ ،‬حافـظ‬
‫علـي حياتنـا المعاصـرة ‪ -‬تمكننـا مـن اتخـاذ القـ ار ارت‬           ‫علـى وعـودك”‪“ ،‬كـن عـادلاً”‪“ ،‬دائ ًمـا أِّد عملـك علـى‬
‫هـو بحـث ضـروري أم لا؟ أرى البعـض أنـه ليـس ثمَـّـة‬               ‫أفضـل وجـه تسـتطيعه”‪...‬إلخ‪ .‬كمـا أن بع ًضـا مـن القيـم‬
‫ضـرورة للبحـث عـن نظريـة أخلاقيـة ملائمـة‪ .‬وذكـر‬                  ‫الخاصـة بالحـس المشـترك تتضمـن السـعادة‪ ،‬والأمانـة‪،‬‬
‫البعـض الآخـر أن البحـث فـي هـذا الشـأن لـن ينجـح‬                 ‫والعدالة والإحسـان والشـجاعة والحب والتآلف‪ ،‬والمعرفة‬
‫لأن نظريـات الأخـاق لـن تسـتطيع أداء المهمـات التـي‬
‫حددتهـا‪ .‬ولسـوف نفحـص كل واحـد مـن هـذه الادعـاءات‬                                                       ‫والحري ـة(‪.)6‬‬
‫علـى ِحـدة‪ .‬وسـوف نسـرد هنـا أربـع حـالات توضيحيـة‬
‫لبيـان كيـف اسـتجدت حـالات فـى مجـال الطـب مثـاً‬                  ‫إن نظريـة الخلـق العـام – علـى الجانـب الآخـر‬
‫تقتضـي منـا التوقـف أمامهـا لإعـادة النظـر فـى نظرياتنـا‬          ‫– تحـاول أن تقـدم تبريـًار أو أسا ًسـا لخلقيـات الحـس‬
‫الأخلاقيـة السـائدة مـن أجـل بنـاء نظريـة جديـدة تطبيقيـة‬         ‫المشـترك‪ .‬والسـبب فـي ذلـك أن نظريـات الخلـق العـام‬
‫تتـاءم مـع المسـتجدات‪ ،‬وهـذه الحـالات الأربـع (‪ )8‬هـي‪:‬‬            ‫غالًبـا مـا تصـف وتؤسـس وتوضـح وتنقـد الخلـق العـام‬
                                                                  ‫المتوافـق والمشـترك بيـن النـاس جمي ًعـا‪ .‬تبـدأ هـذه‬
‫الحالـة الأولـى‪ :‬هـي حالـة أم تتمنـى المـوت‪ .‬وهـي‬                 ‫النظريـات بمعطيـات عـن القناعـات الخلقيـة للحـس‬
‫السـيدة ‪ A‬التـي تبلـغ مـن العمـر أربعـة وثمانيـن عا ًمـا‪،‬‬         ‫المشـترك‪ ،‬لكنهـا تسـتطيع أن تتجـاوز الحـس المشـترك‬
‫والتـي دخلـت المستشـفى بعـد إصابتهـا بكسـر مضاعـف‬                 ‫عـن طريـق الاعتمـاد علـى نتائـج الاكتشـافات فـي‬
‫فـى قصبـة السـاق إثـر حـادث أتوبيـس أثنـاء خروجهـا‬                ‫علـوم النفـس والاجتمـاع والبيولوجـي والاقتصـاد والعلـوم‬
‫لشـ ارء حاجاتهـا اليوميـة‪ .‬مـا إن دخلـت المستشـفى حتـى‬
‫وقعـت فريسـة الاكتئـاب إذ توقفـت تما ًمـا عـن الأكل‬                                                        ‫الأخ ـرى‪.‬‬
‫ونـادًار مـا كانـت تتكلـم‪ ،‬وإذا تكلمـت فإنهـا تـردد عبـا ارت‬
‫مثـل‪“ :‬إننـى عجـوز ومتعبـة”‪“ ،‬أنـا مسـتعدة للمـوت إذا‬             ‫وبعـد اسـتخدامنا لنظريـات الخلـق العـام لتغييـر‬
‫مـا تُِركـت وحـدى”‪“ ،‬سـوف أمتنـع عـن تنـاول الطعـام‬               ‫خلقيـات الحـس المشـترك‪ ،‬يمكننـا أن ُنعـدل هـذه‬
‫وأمـوت”‪“ ،‬إننـى مسـتعدة للقـاء ربـى”‪ .‬إن طقـم الأطبـاء‬            ‫النظريـات‪ ،‬بحيـث تنسـجم مـع قاعـدة المعطيـات الجديـدة‬
‫والممرضيـن كانـوا يحبـون هـذه السـيدة رغـم كل المعانـاة‬           ‫هـذه‪ .‬والعمليـة المتمثلـة فـي تغييـر أخـاق الحـس‬

                                                              ‫‪66‬‬
   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71