Page 96 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الأندرويد
P. 96

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                 ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                  ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫العالـم الآخـر دون أن يفقـد حياتـه وقبـل أن ينتزعـه‬        ‫التأويلـي الجديـد إلا مسـتنًدا علـى القـرآن والبيـان‬
‫المـوت مـن حـاوة الجهـاد فيهـا‪ ،‬وهـل هنـاك رسـالة‬          ‫القرآنـى نفسـه لدرجـة أنـه جعـل الجـزء الأخيـر مـن‬

‫إنسـانية أعظـم مـن أن ينجـح الإنسـان فـى الانتقـال‬         ‫نصـه ثبتًـا لآيـات القـرآن الكريـم الكثيـرة التـى تؤكـد‬
‫إلـى عالـم آخـر قوامـه الك ارمـة وحـب الخيـر وتغليـب‬                 ‫علـى صحـة رؤيتـه التأويليـة الجديـدة‪.‬‬

‫المبـادئ غيـر الماديـة ويكـون لـه فيـه بعثـه وقيامتـه‬      ‫إن الحيـاة الأخـرى حياتـان بمعنـى أنـه بإمـكان‬
       ‫وإثـ ارء حياتـه واكتشـاف ميـاده الجديـد!!»‪.‬‬         ‫المؤمن الحق أن يحيا حياته الأولى بالقيم والمبادئ‬

‫لقـد ربـط د‪ .‬هويـدى – فيمـا سـبق – بيـن الحيـاة‬            ‫التـى تضمـن لـه الثـواب والحيـاة الأبديـة الأخرويـة؛‬

‫إذ «إن مـن يمـارس حيـاة الكمـال الأخلاقيـة‪ ،‬حيـاة الآخـرة والحيـاة الأولـى مـن خـال اسـتحضار‬

‫الكمـال المؤسسـة علـى تطبيـق المبـادئ والأصـول معاييـر وقيـم الآخـرة فـى حياتنـا الدنيويـة‪ ،‬وأكـد علـى‬

‫والمثـل العليـا والقيـم وصـون الأعـ ارض والحرمـات أنـه يمكـن أن نفعـل نفـس الشـيء فـى مفهـوم البعـث‪،‬‬

‫فالبعـث بعثـان حيـث يمكـن للإنسـان المؤمـن مـع‬             ‫الخاصـة والعامـة ‪ ..‬يشـعر حقيقـة لا مجـاًاز أنـه‬
‫انتظـاره للبعـث الأخـروي الـذي لا شـك فيـه أن‬              ‫يعيـش حيـاة أخـرى أو آخـرة‪ ،‬يحـس فيهـا – وإن كان‬

‫لا يـ ازل يـدب بقدميـه سـطح هـذه الأرض ويعيـش يسـتحضر مـن داخلـه وبوعيـه العقلـي بعثًـا يجـدد‬

‫فـى غمارهـا – أنـه قـد أصبـح فـى جـو آخـر‪ ،‬لـه بـه حياتـه وهـو لا يـ ازل يعيـش علـى الأرض‪ ،‬وهـو‬

‫شـكل ثـان وأنـه أصبـح مـن ورثـة جنـة النعيـم تجـرى يوضـح رؤيتـه بالقـول «مـا دام المسـلمون يؤمنـون‬

‫مـن تحتـه الأنهـار بمعنـى أن أمـوره تصبـح ميسـرة بالبعـث فـى الآخـرة‪ ،‬فمـا بالهـم لا يتسـابقون فـى‬

‫الخيـ ارت وفـى اسـتثمار تلـك العلاقـات الإنسـانية‬          ‫تنسـاب خطواتهـا مـاء سلسـبيلاً وترعـاه الملائكـة‬
‫غيـر المقننـة وبخاصـة بعـد تلـك القـرون الطويلـة‬                                ‫وتحيطـه مـن كل جانـب»‪.‬‬

‫التـى كان مـن المفـروض أن يكـون الإسـام قـد‬                ‫إن المقصـود هنـا ببسـاطه أن يعيـش المؤمـن‬
‫صقلهـم فيهـا! ومـا بالهـم لا يتسـابقون إلـى الإسـهام‬       ‫حياتـه الدنيـا بمعاييـر الآخـرة علـى ضـوء الآيتيـن‬
‫فـى تطبيـق هـذا البعـث فيمـن حولهـم هنـا ومـن قبـل‬         ‫الكريمتيـن «ِإَّن َمـا تُو َعـُدوَن َلَواِقـ ٌع» و«َوِإ َّن الِّديـ َن‬
‫أن يأتـى أجـل هـؤلاء وأولئـك!» أي قبـل المـوت!!‬            ‫َلَواِقـ ٌع»‪ ،‬فالحيـاة الدنيـا فـى هـذه الحالـة سـتكون هـى‬
‫ويشـدد د‪ .‬هويـدى علـى ذلـك بقولـه «إن علينـا‬               ‫التجربـة أو أشـبه بالبروفـة التـى يمـر بهـا الإنسـان‬
‫أن نفهـم قضيـة البعـث فـى الديـن علـى أنهـا أهـم‬           ‫ليحظـى بحيـاة آخـرة غيـر الحيـاة الآخـرة الأخـرى‬
‫واجبـات الإنسـان وأقـدس تأملاتـه؛ لأنهـا تضـم بيـن‬         ‫التـى سـينتقل إليهـا بعـد أن يصيـر ت ارًبـا‪ ،‬وإلـى هـذا‬
‫دفتيهـا جميـع جوانـب التنميـة وأبعادهـا التـى تتلخص‬        ‫المعنـى تشـير الآيـة الكريمـة «َوِل َمـ ْن َخـا َف َمَقـاَم َرِّبـ ِه‬
‫فـى كلمتيـن‪ :‬الأمـن الشـامل»‪ .‬وإذا مـا تسـاءلنا‪:‬‬           ‫َجَّنتَـا ِن»‪ ،‬وفـى الحالتيـن فـإن الآخـرة لهـى الحيـوان‬
‫كيـف يمكـن للمسـلمين أن يحققـوا البعـث ومـن ثـم‬            ‫أو الحيـاة الحقـة‪ ،‬ومـن كان فـى هـذه أعمـى فهـو فـى‬
‫الأمـن الشـامل فـى حياتهـم الدنيـا؟ لكانـت الإجابـة‪:‬‬
                                                                             ‫الآخـرة أعمـى وأضـل سـبيلاً‪..‬‬
                              ‫بالعمـل الصالـح‪.‬‬
                                                           ‫ويسـتطرد د‪ .‬هويـدى موض ًحـا فكرتـه قائـاً «هـل‬
‫إن هـذا التعبيـر الإسـامى «العمـل الصالـح» –‬               ‫هنـاك أروع مـن أن يسـتطي َع الإنسـا ُن أن ينتقـل إلـى‬

                                                       ‫‪96‬‬
   91   92   93   94   95   96   97   98