Page 64 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 64
أكتوبر بين الأسطورة والذاكرة:
الحرب لا تزال ُت كتب
د .محمد عبد الدايم تمّر اثنتان وخمسون سنة على حرب أكتوبر ،1973ومع كل
ذكرى تعاود الأسئلة القديمة الحضور :كيف نتذكر الحرب؟ وما الذي
تقول الرواية التقليدية إن إسرائيل امتلأت بالغطرسة بعد انتصارها نستخلصه منها بعد نصف قرن ونّيف؟ فلم تعد الحرب حدًثا عسكرًيا
عام ،1967وأمضت الدولة اليهودية السنوات القليلة التالية ،وهي فحسب ،بل تحّو لت إلى مرآة للذاكرة الجمعية ،وصارت أداة لإعادة
ثملة بقوتها الجديدة ،متجاهلة إشارات التحذير وعروض السلام من إنتاج الهوية؛ سواء في مصر والعالم العربي؛ حيث ارتبطت باستعادة
مصر ،القوة الإقليمية البارزة الأخرى والخصم الأبرز لإسرائيل، الكرامة ومحو الهزيمة ،أو في إسرائيل حيث ُعرفت بـ"حرب يوم
لكن مقالات نقدية إسرائيلية حديثةُ ،تجادل بأن هذا التوصيف ُمبالغ الغفران" ،وبقيت حاضرة كأكثر الحروب إيلاًما ومفاجأة للإسرائيليين
فيه ،وأن كثيًر ا مما ُينسب إلى "الغرور" هو نتاج قراءة لاحقة لا
قراءة واقعية للحظة ،فبناء القوة الإسرائيلية بين 1967و 1973لم منذ قيام الدولة.
يكن جامًدا ولا كسواًل ،بل شهد الجيش الإسرائيلي شراء مكثًفا في السادس من أكتوبر 1973انطلقت حرٌب كسرت صدمة الهزيمة
للطائرات والدبابات ،وتطوير قدرات عبور القناة ،والاستثمار في في ،1967وأعادت رسم خريطة السياسات العسكرية والنفسية،
سلاح البحرية وسلاح الجو ،وكان التدريب حاضًر ا ،ولو أنه تأثر وحتى الأدبية في الشرق الأوسط ،فبعد 52عاًما؛ باتت حرب أكتوبر
بفترات الاستنزاف على الجبهات ،بمعنى أن الجيش الإسرائيلي لم أكثر من مجرد حدث عسكري ضخم أعاد ترتيب بعض أوراق
يكن في حالة "ُسبات" تام ،ومع ذلك؛ حدثت المفاجأة ،وجاءت معها
لحظة الانكسار النفسي التي ما زالت تطبع ذاكرة الإسرائيلي حتى الشرق الأوسط.
تمثل حرب أكتوبر مرآة للجماعات التي تتذكرها ،في مصر ،والدول
اليوم. العربية المحيطة ،وإسرائيل ،ومن ثم تظل هذه الحرب نقطة ارتكاز
للنقاش حول القيادة ،الخطأ ،والانتصار ،حول مآلات الهزيمة
60 السابقة ،والانتصار ،وما بينهما من ظلال ،تعيد مسرحة الأحداث،
لنستقي مفاهيم ودروًسا ،ونعيد ملء الذاكرة الجمعية ،بحقائق
تاريخية ،تتمايل بين الشك واليقين.
في إسرائيل ،لم تفقد حرب يوم الغفران مركزيتها .فهي ليست حربا
مفاجئة فحسب ،بل جرحا مفتوحا في السرد التاريخي للدولة قصيرة
التاريخ ،في الخطاب الإسرائيلي ،لا تزال هذه الحرب ُتروى غالًبا
على أنها التحدي الأكبر بعد حرب ،1967حرب الأيام الستة
بمسماها الإسرائيلي ،رمز "المفاجأة" والاختبار القاسي للجهوزية
والاستخبارات ،ثم الانعطاف والنصر التكتيكي رغم الخسائر.
بعد 52عاًما ما تزال السرديات السياسية والفكرية والعسكرية
الإسرائيلية تتناول حرب أكتوبرُ ،تعيد النظر في الرواية ،لا لنفي
أهمية المفاجأة أو الخطأ ،بل لوضعها في سياقات أوسع :كيف شكلت
حرب 73الشرق الأوسط ،وكيف أن السرد التقليدي الذي يربط
النشوة بعد 1967بالاستهانة المستمرة بالمصريين والعرب ليس
كافيًا لتفسير كل شيء.

