Page 22 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 22
أكتوبر ..الإعلام ..والخداع الإستراتيجي
لقد أصبح الإعلام بكل وسائله ومخرجاته من أهم بوابات المعرفة في
العصر الحديث ،خاصة مع التطور التكنولوجي المتلاحق في وسائل
الاتصال واتساع الفضاء أمام محاولات السيطرة على مصادر
المعرفة .غير أن الإعلام ،قد تخطى تلبية الرغبة الفطرية في المعرفة
إلى ملء فراغات الوعي لدى المتلقي بما يتجاوز مجرد الشغف
أ /محمد إسماعيل للمعرفة؛ فأصبح الإعلام ُيستخدم لنشر رسائل ودلالات محددة في
وقت محدد وضمن أجواء ظرفية معينة يتم تعيينها بدقة حتى تحقق
أيًضا على مستوى الجبهة الداخلية؛ تناولت الصحف الصادرة الهدف المطلوب منها ،استغلاًال لهذا الشغف لدى الجمهور
مطلع 1973أخبار وتحقيقات صحفية حول طبيب شاب اكتشف المستهدف ،وتحقيًقا لدور الإعلام في مخططات الخداع الإستراتيجي.
أن ميكروب التيتانوس ينتشر ويلوث العنابر الرئيسية في مستشفى وفي حالتنا تلك فقد كان الجمهور المستهدف هو الجبهة الداخلية
الدمرداش التابع لجامعة عين شمس ،قلق الطبيب من هذا في مصر من ناحية ومسرح الأحداث في دوائر صنع القرار في
الميكروب الذي يهدد حياة المرضى ،دفعه لإرسال عدد من إسرائيل من ناحية أخرى ،والمجتمع الدولي بعامة من جهة ثالثة؛ إذ
الرسائل لوزارة الصحة ،وبناًء عليه أمرت وزارة الصحة بإخلاء كانت الأنظار مسلطة على منطقة الشرق الأوسط والتوترات السائدة
المستشفى من المرضى تماًما وتطهيره ،وتم تكليف الطبيب فيها ،وإن كانت كلها تخدم هدًفا واحًدا ،وهو إظهار ما يتناقض مع
بالمرور على بقية المستشفيات لاستكشاف درجة تلوثها ،وتوالت فكرة الاستعداد للحرب لرد اعتبار مصر والعرب بعد معركة يونيو
الصحف على نشر التحقيقات الصحفية حول المستشفيات الملوثة .1967والحقيقة أن ما ُيعرف بالخداع الإستراتيجي في الأدبيات
وصور عمال التطهير ،وهم يرشون المبيدات الخاصة بالتطهير العسكرية؛ هو "مجموعة الإجراءات والأنشطة المنسقة والمخطط لها
في عنابر المستشفيات .والواقع أن هذه الواقعة التي كانت حديث بعناية بالغة ،بغية إخفاء التفاصيل الخاصة بالاستعدادات الجارية
الناس وقتها ،لم تكن إلا جزًءا من خطة خداع إستراتيجي يتم للقيام بعمل ُمباغت" ،تشمل هذه الإجراءات مجالات شتى؛ سياسية
بموجبها إخلاء بعض المستشفيات وإعدادها لاستقبال الجرحى عند اقتصادية تكتيكية ،ومن أهمها الإعلامية ،وكلها جميًعا مرتبطة
اندلاع الحرب ،ولإبعاد شبهة الشك لدى الاستخبارات الإسرائيلية، بتحقيق هدف واحد ،ألا وهو منع أجهزة الاستخبارات من التقدير
جرى تسريح أحد الضباط الأطباء المجندين في السلاح الطبي الصحيح للموقف الإستراتيجي المصري .كانت القيادة السياسية
وإعادته إلى وظيفته السابقة في مستشفى الدمرداش؛ ليقوم بتنفيذ متمثلة في رئيس الجمهورية هي أول من التزم بإجراءات الخداع
هذا السيناريو. الإستراتيجي؛ حيث أكدت الرؤية المتناقضة للقيادة السياسية المصرية
ومن أهم الأنشطة الإعلامية التي اسُتخدمت في الخداع عندما أعلن الرئيس السادات في خطابه أمام القوات البحرية أن عام
الإستراتيجي ،تلك الندوة التي عقدها مركز الدراسات الإستراتيجية 1971هو عام الحسم ،ثم عاد وتهرب من هذا الوعد في عام ،72
بجريدة الأهرام حول علاقة مصر بالقوتين العظميين، أكدت هذه الرسالة التي طيرتها وسائل الإعلام أن مصر ليست جادة
في الإقدام على مواجهة عسكرية مع إسرائيل ،أكد هذا التوجه
الإستراتيجي المخادع مظاهرات الحركات الطلابية بالجامعات
المصرية منذ ديسمبر ،1972الرافضة للموقف الرسمي المتهرب
من المواجهة العسكرية ،الذي أرادت القاهرة تصديره إلى تل أبيب.
18

