Page 89 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 89
87 إبداع ومبدعون
قصــة
السجان وضاجع امرأ َته ،وليعود للسجن الذي
يعرفه بأكثر مما يعرف الطريق ،يعود لشخصيته
الحقيقية ،فالحرية خلف القضبان وهو هو ،خير ِمن
هواء ملوث ،وشمس كاذبة ،وزوجة خائنة .هل فع ًل
لم تلاحظ أنني لست هو؟ أم لاحظ َت وسكتت كما
فعل الأخرون؟ أليس لجسدي بصمة لا تتكرر لمهران
أو لغيره؟ قفز ِمن سؤال لسؤال ،ومن علامة معقوفة
لعلامة أخرى ،وكانت قفزته الأخيرة في حارتهم التي
تر ّبى فيها ،أحس براحة حين دخلها وكأنه خرج من
السجن ت ًّوا ،وكأنه يشت ّم رائحته في الجدران الهالكة،
والماء المسكوب ،وفي الكلاب الضالة المتكاسلة.
قبل أن يدخل إلى بيتِه؛ لمح صيدلي َة عماد ،دخل
إليها باس ًما .لم يكن الدكتور موجو ًدا ،ربما مات في
فتر ِة غيا ِبه ،ربما هذه ابنته .طلب منها حب ًة زرقاء،
وعندما أعطته إياها ابتلعها على الفور وطلب كو ًبا
من الما ِء ،أحضرته البن ُت وهي خائفة؛ فقد كانت تراه
غريبًا وش ِر ًها ويشبه الخارجين من السجن ،وقد
كان هو منشغ ًل ذاه ًل يفكر في زوجتِه ،وفي عينيه
رغب ٌة محمومة؛ ت َر َجمتها البن ُت بح ِسها الأنثوي
وقبضت بيد ِيها على س ّكي ٍن صغير لا يفارق جيبها
أب ًدا .لكنه تج ّرع الما َء وذهب ،فاطمأنت وأجهشت
بالبكا ِء .لم يلحظ هو دموعها ودخل إلى البيت .صعد
السلال َم وقل ُبه يصعد ،رن الجر َس وأن ُفه يلتقط رائح َة
هويته ولا ينسى طبيخ َزوجتِه. الطبي ِخ ،ينسى
خلف الباب ،فتحت له لكنها أغلقت س ِمع خطوا ِتها
ملام َحها وهي تخبط على صدرها وصاحت« :يا
لهوي ،الصول مهران! هو حصل حاجة؟» .وانقطع
إرسال الحلم عند هذه اللحظة ،وصحا من نو ِمه
لاهثًا .حتى زوجته أنكرته .ماذا يفعل؟ هل يبقى مع
هؤلاء الغرباء /الآخرين؟ ما الذي أتى به إلى هنا من
الأسا ِس؟ انفتح با ُب الغرفة فجأة ،ودخلت زوج ُة
مهران وأخذته في حضنِها وهي تبسمل وتحوقل
وتسقيه شرب َة ما ٍء ،وهو ذاه ٌل تما ًما ولا يفهم شيئًا.
ربما لأنه لم يلحظ في الحل ِم أن فتا َة الصيدلي ِة حين
مسحت دمو َعها كتبت على صفحتها «الواق ُع هو
الجحيم» ،أو ربما كتبت الكابوس ..لا أذكر تحدي ًدا
رغم أنني أنا َمن كتبت القصت ْين.