Page 99 - m
P. 99

‫‪97‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

                                ‫رضا آنستة‬

                                          ‫(الأهواز)‬

                   ‫خفقة الطين(‪)1‬‬

    ‫إلى المصلى الخالية‪ ،‬منذ سنوات لم أصلي‪ ،‬لكني‬    ‫«أنت مدان يا هذا» يصيح بي صالح‪ :‬لا تنس «بلند»!‬
‫أشعر بالصفاء والسلام فيها منذ أن تركت الصلاة‪.‬‬      ‫‪ :6 /12‬لم أنم طوال الليلة الماضية مثل الليالي‬
                                                   ‫السابقة أفكر بالضفة الأخرى‪ ،‬بالعبور‪ ..‬كن ُت‬
 ‫هل سجادة الضفة الأخرى تشبه سجادتها؟ «أنت‬          ‫محتا ًجا بشدة إلى العبور‪ ،‬لذا أحضرت جوازي‬
                     ‫مدان يا هذا» يصرخ صالح‪:‬‬       ‫وحقائبي‪ ،‬غسل ُت نعاس روحي بحلمها‪ ،‬وأزحت‬
                         ‫«وأنا من عائلة معروفة‬     ‫عن جسدي كسله وخدره بالدماء التي دفقتها فيه‪،‬‬
                                   ‫لم أقتل أح ًدا‬  ‫لقد مرت فترة طويلة على آخر عبور‪ ..‬وهو ما زال‬
                                 ‫لم أسرق أح ًدا‬                      ‫ينتظرني على الطرف الآخر‪.‬‬
                    ‫بجيبي عشر هويات تشهد لي‬        ‫‪ :6 /28‬ارتدي ُت ثيابي وأنا أتمطى‪ ،‬أنفض تثاؤب‬
                      ‫فلماذا لا أخرج هذي الليلة»‬   ‫أعضائي‪ ،‬عقارب الساعة تلسع الوقت بسرعة‬
                                                   ‫الضحفنت ْطيةطريق‬  ‫أستعجل‪ ،‬على‬  ‫إن لم‬  ‫والباص سيفوتني‬
   ‫‪ :9 /35‬أدخل إلى سجن الحصة الثانية‪ ،‬جدران‬                          ‫كارون‪ ،‬حقول‬  ‫جادة‬   ‫المحمرة‪ -‬الأهواز‪،‬‬
‫الزنزانة الرمادية تسحن روحي‪ ،‬أشعر بثقل الوقت‬       ‫الذهبية تومض بلذة عذبة‪ ،‬يا ترى ما هو شكل‬
                                                                     ‫الحقول على الضفة الأخرى الآن؟‬
     ‫في أقدامي‪ ،‬أفكر كيف سأتحمل الصف الثامن‬        ‫سأنتظر للظهيرة وبعدها سأعبر بالزورق الذي‬
     ‫و»حسن عيدان» المشاغب الذي لا يستطيع أن‬        ‫ينتظرني عند هذه الضفة‪« .‬أنت مدان يا هذا»‪،‬‬
‫يجلس مكانه وكأ َّن في دبره فلف ًل‪ .‬مع حسن عيدان‬    ‫يصيح بي صالح‪ :‬لا تنس «بلند»‪ ،‬اختر بض ًعا من‬
 ‫لا يمكنك أن تحلم بأي ضفة‪ ،‬تكون شاك ًرا إذا أنت‬                                   ‫قصائده لأترجمها‪.‬‬
    ‫خرجت بأقل قدر ممكن من الصداع والتصدع‪،‬‬          ‫‪ :8‬أصل إلى المدرسة‪ ،‬التلاميذ ينتظرون ألا آتي‬
                                                   ‫فيرتاحون وينعمون بيوم عطلة‪ ،‬العطلة غير المتوقعة‬
        ‫صداع صالح يصدى‪« :‬أنت مدان يا هذا»‪:‬‬         ‫ألذ العطل‪ .‬أدرسهم الفارسية وأنا مدرس لغة‬
                         ‫«كان البحر بلا شطئان‬      ‫عربية‪ ،‬المهم أن يمتلئ جدول ساعات تدريسك‪،‬‬
                                                   ‫يصيبني الدرس بالتثاؤب‪ ،‬أقوم من كرسيي أذرع‬
              ‫والظلمة كانت أكبر من عيني إنسان‬      ‫الصف جيئة وذها ًبا‪ ،‬وأحد التلاميذ يقرأ‪ ،‬أصاب‬
                          ‫أعمق من عيني إنسان‬       ‫بالدوار وأنا ألتف حول المقاعد‪ ،‬تجذبني ضحكات‬
                         ‫ورصيف الشارع كان‪..‬‬        ‫التلاميذ في الفناء وهم يلعبون كرة القدم في حصة‬
                                                   ‫الرياضة‪ ،‬كم تشبه فرحتهم خضرة الضفة الأخرى‪،‬‬
                       ‫خل ًوا إلا من صوت حذائي‬     ‫يشرخ صورتها صوت صالح‪« :‬أنت مدان يا هذا»‪:‬‬
                              ‫طق‪ ..‬طق‪ ..‬طق‪»..‬‬                                            ‫«وخرجت الليلة‬
                                                                     ‫كانت في جيبي عشر هويات تسمح لي‬
    ‫‪ :10 /40‬يرن الجرس‪ ،‬وأتحرر لولا أن صوت‬                                         ‫أن أخرج هذي الليلة‬
             ‫صالح يطاردني‪« :‬أنت مدا ٌن يا هذا»‪:‬‬                                   ‫اسمي‪ ..‬بلند ابن اكرم»‬
                                                   ‫‪ :9 /20‬يرن الجرس‪ ،‬في مكتب استراحة المدرسين‬
        ‫«أجمع ظلي في مصباح حينًا‪ ..‬وأوزعه حينًا‬    ‫لغو ولغط كثير‪ ،‬يشوش على صورة الضفة‪ ،‬أهرب‬
                                 ‫وضحكت لأني‬
                                   ‫أدركت بأني‬
                                      ‫أملك ظلي‬

                     ‫وبأني أقدر أن أرميه ورائي‬
                     ‫أن أغرقه في بركة ماء وحل‬

                         ‫إن أسحقه تحت حذائي‬
                            ‫أن أخنقه بين ردائي‬
                                ‫طق‪ ..‬طق‪ ..‬طق‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104