Page 7 - merit 50
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

 ‫يجب ألا تضيع‪ ،‬لذلك يستسهل –مث ًل‪ -‬سجن‬            ‫يستطع‪ ،‬لدرجة أنه ح َّرض أنصاره فاقتحموا‬
‫المعارضين لأنهم قوة مع ِّوقة‪ ،‬ويرى أن (موت)‬         ‫مبنى الكابيتول‪ ،‬يوم ‪ 6‬يناير ‪ ،2021‬أثناء‬
 ‫مواطن في قسم شرطة نتيجة ممارسة العنف‬                ‫الجلسة المشتركة‪ :‬الشيوخ والنواب‪ ،‬لفرز‬

    ‫الشرطي‪ ،‬أو (موت) سجين لأنه لم تتوفر‬         ‫الأصوات الانتخابية ومناقشة الطعون‪ ،‬فأثاروا‬
  ‫له الرعاية الطبية‪ ..‬إلخ‪ ،‬أعمال ثانوية جانبية‬     ‫الذعر وهرب النواب من الجلسة‪ ،‬لكن قوات‬
  ‫صغيرة يجب ألا تعطل مسيرته‪ ،‬بينما العالم‬          ‫الأمن تدخلت وأنهت الاقتحام‪ ،‬وعاد النواب‬
 ‫كله يعمل كي لا ُيظلم بريء‪ ،‬ولا تحبس حرية‬           ‫واستكملوا جلستهم –بقيادة نائب الرئيس‬
‫إنسان لم يرتكب خطأً‪ ،‬بل إن القاعدة في العالم‬
  ‫المتحضر هي أن «براءة مائة متهم‪ ،‬أهون من‬       ‫الجمهوري‪ -‬وأعلنوا فوز المرشح الديمقراطي‪.‬‬
                                                 ‫مع وجود كل هذه المؤسسات الرسمية ومبدأ‬
                       ‫سجن بريء واحد»!‬
     ‫العقبة الكبرى التي تقابلها منظمات العمل‬         ‫الفصل بين السلطات الذي تقره الدساتير‬
   ‫المدني في الدول الديكتاتورية أنها في مرمى‬        ‫الحقيقية‪ ،‬لا ( ُك ُتب) الدساتير المركونة على‬
                                                ‫الرفوف‪ ،‬ابتكرت النظم الديمقراطية مؤسسات‬
       ‫نيران السلطات السياسية وذيولها‪ ،‬في‬       ‫العمل المدني‪ ،‬التي مهمتها مراقبة أداء الحكومة‬
  ‫الإعلام والصحافة والبرلمان –المستأنس غالبًا‬
                                                      ‫للتأكد من عدم تغولها‪ ،‬ففيها مؤسسات‬
     ‫والمصنوع صناعة‪ -‬بغرض إسكاتها‪ ،‬على‬              ‫حقوقية تتأكد من احترام بنود القانون في‬
 ‫قاعدة أن المواطن عندها ليس له حقوق أص ًل‪،‬‬           ‫حالات القبض على المواطنين‪ ،‬والتأكد من‬
  ‫فهو إ َّما فوض «الزعيم الملهم»‪ ،‬أو شارك –أو‬   ‫توجيه تهم واقعية لهم‪ ،‬وتمكينهم من الحصول‬
                                                    ‫على حقوقهم القانونية في فترات الاحتجاز‪،‬‬
   ‫لم يشارك في الحقيقة‪ -‬في انتخابات شكلية‬             ‫وهناك مكاتب محاماة تتطوع للدفاع عن‬
  ‫جاءت بـ»الزعيم الملهم»‪ ،‬وفي الحالتين انتهى‬      ‫المقبوض عليهم دون أتعاب‪ ،‬وجماعات ضغط‬

    ‫دوره‪ ،‬وعليه أن يشكر الظروف التي تبقيه‬             ‫سياسية تستخدم كل الإمكانيات المتاحة‬
 ‫حيًّا‪ .‬الديكتاتور وأذنابه لا يكتفون بـ»عرقلة»‬        ‫للضغط على الحكومات داخليًّا وخارجيًّا‪،‬‬
                                                   ‫جنبًا إلى جنب مع الأحزاب والنقابات المهنية‬
   ‫تحركات هذه المنظمات‪ ،‬لكنهم يوجهون لها‬              ‫والجمعيات الخيرية‪ ،‬والجماعات الدينية‪،‬‬
     ‫اتهامات «العمالة» و»التمويل من الخارج»‬
‫و»زعزعة أركان ال ُّن ُظم» و»إشاعة الفوضى»‪ .‬لا‬                ‫والمؤسسات غير الربحية‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫أقول إن (كل) المكاتب التي تعمل في هذا المجال‬        ‫ولأن هذه المؤسسات تؤدي أعمالها تط ُّو ًعا‬
  ‫منزهة عن الغرض‪ ،‬لكنني أقول إن الاتهامات‬           ‫دون أجر‪ ،‬فهي تحصل على (معونات) من‬
 ‫تكون جزافية غالبًا‪ ،‬وتأخذ العاطل في الباطل‪،‬‬     ‫مؤسسات دولية تهتم بهذه الأعمال‪ ،‬بالضبط‬
‫وأن معظم العاملين فيها لا يسلمون من البطش‬
      ‫إن (نشفوا مخهم) ولم يذعنوا لتوجهات‬               ‫كما تحصل الحكومات على معونات من‬
  ‫النظام‪ ،‬أو إن حاولوا الوقوف في وجه الظلم‪.‬‬           ‫دول ومؤسسات دولية‪ ،‬لا ُت َر ُّد‪ ،‬بخلاف‬
     ‫الأنظمة الديكتاتورية –في الغالب‪( -‬تعيِّن)‬     ‫القروض ذات الفائدة المنخفضة التي تهدف‬
    ‫موظفين تابعين لها ليقوموا بهذه الأدوار‪:‬‬      ‫إلى إصلاحيات اقتصادية في الدول الفقيرة‪ ،‬أو‬
 ‫منظمات حقوق إنسان ولجان مراجعة موقف‬
      ‫السجناء‪ ..‬وهي نكتة سمجة في الحقيقة‪،‬‬                ‫مواجهة الكوارث والأزمات والأوبئة‪.‬‬
  ‫لأن هؤلاء الموظفين لا يفعلون سوى إصدار‬         ‫يجب أن أشير هنا إلى أن الديكتاور الذي يكره‬
     ‫بيانات تتغنى بالحريات المتاحة في الدول‬
    ‫المخنوقة‪ ،‬وبيانات أخرى (نح ِّقر) من شأن‬          ‫المؤسسات الرقابية‪ ،‬وعلى رأسها منظمات‬
 ‫البيانات الدولية التي ترصد حال الحريات في‬       ‫المجتمع المدني‪ ،‬قد لا يكون فاس ًدا بالضرورة‪،‬‬
   ‫هذه الدولة أو تلك‪ ،‬ولا تنسى أن تذ ِّكر هذه‬
     ‫المنظمات الدولية بـ»سجن أبو غريب»‪ ،‬أو‬        ‫لكنه –في بعض الحالات‪ -‬يتصور أنها تعطل‬
  ‫«جورج فلويد» المواطن الأمريكي الملون الذي‬         ‫خططه التي يراها عبقرية وسابقة لزمانها‪،‬‬
                                                    ‫لأن التقيد بالقوانين والدساتير –في رأيه‪-‬‬
                                                  ‫سيضيع عليه ‪-‬وعلى الدولة التي يمسك بكل‬
                                                  ‫مفاتيحها في يده‪ -‬فر ًصا‪ ،‬يرى –مفر ًدا‪ -‬أنها‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12