Page 57 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 57

‫يبدو المكان أيضا في هذه الرواية‬                          ‫وإنما أبوها مصري وأمها أثيوبية ومتزوجة‬
                                                               ‫على التوالي من شخصيتين سودانيتين‪،‬‬
  ‫ملي ًئا بالخصوبة‪ ،‬فهو مكان ينتمي‬
                                                            ‫وأولادها بالتالي ينتمون لأب سوداني وأم‬
     ‫إلى الأرض الطينية الخصبة التي‬                                                         ‫مصرية‪.‬‬

 ‫شكلها نهر النيل على مدار القرون‪.‬‬                                ‫ومن الملاحظ أن العلاقة بين المصري‬
                                                              ‫والأثيوبية لم تستمر كثي ًرا‪ ،‬وإنما هجرت‬
      ‫وهو في الغالب مكان آمن‪ ،‬في‬                            ‫ميهاري الأثيوبية زوجها المصري تاركة له‬
                                                             ‫ابنته وهي ذات ثلاثة أعوام فقط‪ ،‬في حين‬
  ‫السودان ومصر‪ ،‬ولكنه غير آمن في‬                              ‫استمرت العلاقة الزوجية بين السوداني‬
                                                             ‫والمصرية‪ ،‬وهي وإن كانت قد انقطعت مع‬
 ‫أثيوبيا‪ ،‬فمعظم السرد الذي يتفاعل‬                           ‫الزوج الأول فإنها ما لبثت أن اتصلت مرة‬
                                                           ‫ثانية بصورة أقوى مع زوج سوداني آخر‪.‬‬
   ‫مع المكان في أثيوبيا يكشف عن‬                          ‫ولا يخفى الإسقاط في هذه العلاقة على الواقع‬
                                                            ‫المعاصر‪ ،‬في إشارة إلى متانة وقوة الرابطة‬
 ‫حروب وقلاقل‪ ،‬تصل إلى الذروة حيث‬                             ‫بين مصر من ناحية والسودان من ناحية‬
                                                         ‫أخرى‪ ،‬في حين نجد هذه العلاقة مقطوعة بين‬
               ‫مشاهد القتل والترويع‪.‬‬                ‫مصر من ناحية وأثيوبيا من ناحية أخرى‪ ،‬وقد كان‬
                                                       ‫التصوير الرمزي في هذه الرواية ذا دلالة‪ ،‬فحين‬
 ‫سدة الحكم من خلال ثورة يوليو ‪ 1952‬وما تبعه‬          ‫ذهبت فاطمة المصرية مصطحبة زوجها السوداني‬
     ‫من قلق بين جمال عبد الناصر ومحمد نجيب‪،‬‬         ‫إلى أمها الأثيوبية قامت الأم بقطع العلاقة خو ًفا من‬
    ‫ولكن في النهاية لا يصل ذلك إلى مشاهد دامية‪.‬‬      ‫إحداث قلق لزوجها وعائلته الثرية‪ .‬ذلك على الرغم‬

  ‫ومن هنا فقد كان السرد كاشفا عن طبيعة الرقعة‬                               ‫من حبها الشديد لابنتها‪.‬‬
‫المكانية التي يتفاعل معها‪ ،‬حيث بدت خصوصية كل‬         ‫وهنا يتم استدعاء ما يحدث في اللحظة الراهنة من‬
                                                    ‫حرص مصر والسودان على لم الشمل مع جارتهما‬
 ‫رقعة سواء في السودان أم في مصر أم في أثيوبيا‪.‬‬       ‫أثيوبيا في قضية سد النهضة الأثيوبي‪ ،‬والإصرار‬
     ‫أما عن البنية الزمنية في هذه الرواية «قطارها‬     ‫الكبير من أثيوبيا على قطع كل الصلات والحلول‬
    ‫المسافر إلى الشمال» للروائي المصري إسماعيل‬
      ‫الأسواني؛ فإن أهم ما يميزها هو استحضار‬               ‫بالطرق السلمية رغم صلة الجوار والقربى‪.‬‬
     ‫الماضي‪ ،‬حيث نجد السارد وهو في الرواية ابن‬      ‫ويبدو المكان أيضا في هذه الرواية مليئًا بالخصوبة‪،‬‬

‫الشخصية المحورية (فاطمة) يستحضر الماضي من‬            ‫فهو مكان ينتمي إلى الأرض الطينية الخصبة التي‬
 ‫خلال استحضار ضمير المخاطب في حالته الفردية‬          ‫شكلها نهر النيل على مدار القرون‪ .‬وهو في الغالب‬
 ‫الأنثوية «أن ِت»‪ ،‬ويقص من خلال ذلك الاستحضار‬        ‫مكان آمن‪ ،‬في السودان ومصر‪ ،‬ولكنه غير آمن في‬

                             ‫ما حدث في الماضي‪.‬‬         ‫أثيوبيا‪ ،‬فمعظم السرد الذي يتفاعل مع المكان في‬
‫وقد كان السرد المتتابع هو المهيمن في الغالب‪ ،‬ولكن‬   ‫أثيوبيا يكشف عن حروب وقلاقل‪ ،‬تصل إلى الذروة‬

     ‫هناك السرد العرضي‪ ،‬حيث يبدأ مع شخصية‬                               ‫حيث مشاهد القتل والترويع‪.‬‬
       ‫فاطمة منذ ما قبل مولدها‪ ،‬ملقيًا الضوء على‬        ‫وإذا كانت الكتل السردية المتفاعلة مع المكان في‬
                                                        ‫مصر لا تخلو من قلق أحيا ًنا؛ فإن هذا القلق في‬
  ‫شخصية والدها وتركه لأسرته وسفره في رحلة‬               ‫المنطقة المأمونة ولا يصل إلى فزع مشاهد القتل‬
  ‫علمية إلى السودان من أجل التحسين المادي رغم‬           ‫والترويع‪ .‬وقد رصد السرد بعض هذا القلق في‬
                                                     ‫مصر على نحو ما نجد من تصويرها للصراع على‬
     ‫عدم حاجته الضرورية لذلك‪ .‬ولقائه بميهاري‬
 ‫الأثيوبية وطفلها وزواجه منها وإنجابه لفاطمة‪ .‬ثم‬
  ‫تتابع السرد حتى زواج فاطمة وإنجابها وغربتها‬
‫في السودان ثلاثين عا ًما متصلة‪ ،‬ثم عودتها بأبنائها‬
   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61   62