Page 39 - merit 38 feb 2022
P. 39
37 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
يلاحظ أن الشاعر في هذا النوع من إحالاته ،غالبًا فصورة الأب المقيدة في إطارها ،والتي حطت على
يقوم بإحالة المعنوي إلى المحسوس ،أو العكس، الحائط ،فرضت قيو ًدا معنوية ،نفى من خلالها
ويستخدم آليات لفظية يكررها في كل مرة ،خاصة الشاعر عن ذاته أية مبررات تدفعه لمغادرة البيت،
عندما يقوم بما يسمى بالالتفات ،حيث يلتفت من والذي أضافه إلى ياء المتكلم ،لتصبح هذه الياء
معاد ًل موضوعيًّا لصورة الأب ،التي صارت
ياء المتكلم ،وهي الألصق في معناها بالذات ،إلى
هاء الغيبة ،أو كاف الخطاب التي تأتي مضافة إلى حبيسة الحائط .وهو ما يدفع الشاعر للتساؤل مرة
جزء حسي من تلك الذات ،حيث يضيفها ،مث ًل ،إلى أخرى:
الوجه ،أو إلى اليد ،أو إلى الكف ،أو الصدر ،أو ما إلى
ذلك من المكونات الحسية للجسد ،الذي يمثل ال َمعين فهل تظن الطيور
بأن الفضاء الفسيح لها؟
أو الوعاء المنظور أو المرئي ،أو المحسوس ،حيث وهو تساؤل ينتقل بالشاعر من هيئته ،إلى هيئة
تظهر الذات الكامنة أمام العين ،فيصبح الجانب أخرى ،جمع فيها كل مكونات جسده وروحه في
الشعوري المتخيل شاخ ًصا ،متجس ًدا ،خاصة وأن تلك الطيور ،التي أحال ظنه الشخصي إليها.
هذه المكونات المحسوسة ،تقوم بدور الناقل لتلك في مثل هذه القصائد وغيرها نجد الشاعر دائ ًما ما
المشاعر المضمرة ،في المقام الذي تعايشه في المواقف يوظف أجزاء الذات الحسية في التعبير عن مقام
المختلفة .وغالبًا ما يستهل نصوصه بما هو مضاف الإنشاد؛ للانطلاق من خلالها إلى رؤيته الخاصة
إلى ياء المتكلم ،في أول عبارة من عبارات النص ،ثم بالعالم الذي يحيط بها ،فهو يندمج بالعالم ،والعالم
ينتقل مباشرة في العبارة التالية إلى كاف الخطاب، يندمج به ،من خلال دائرة تبدو ضيقة في ألفاظها،
أو هاء الغيبة ،مؤك ًدا على أن الذات ما هي إلا إطار لكنها متسعة قي معانيها ومراميها.
يتكرر الأمر نفسه في بعض قصائد دواوينه.
كلي ،توزعت داخله أجزاؤها. من ذلك قصيدة“ :أنا ..ووجهي” ،من ديوان
“محاولات لا أعرف نهايتها” .والقصائد“ :ثلاثية”،
ثان ًيا :الإحالة الخارجية للمقام “إطلالة”“ ،انقسام” ،ارتحال”“ ،خوف” ،من
ديوان “مكاشفة”“ .مصالحة”“ ،خماسية للحياة”،
في هذا النوع من الإحالة يقوم الشاعر بنقل رؤيته، “الخوف على النهر” ،من ديوان “ملامح ظلي”.
والتي هي رؤية شعورية في المقام الأول ،تنبع “غريب يلقاه غريب”“ ،عودة الابن إلى أحضان
أبيه”“ ،اذكرني إذا ما غبت” ،من ديوان “سيعود
من الذات الشاعرة ،من خلال إحالة هذه الذات إلى
مفردات تحيط بها ،وتقع في منطقة خارج تكوينها، من بلد بعيد”.
حيث تنوب هذه المكونات عنها في نقل المعنى
المقصود ،بصورة تتحول فيها هذه المفردات إلى
رموز ،تتسع مراميها ،تب ًعا لعملية التأويل .فهي
وإن كانت ليست من أجزاء الذات ،إلا أنها تتحالف
معها من خلال السياق الاستعاري ،فتصبح هي
والذات شيئًا واح ًدا.
من ذلك ما جاء في قصيدته “حوار الظل” ،من
ديوانه “محاولات لا أعرف نهايتها”:
البنايات واقفة
وظل البنايات
تأخذه الشمس
تمضي به
وتسكنه مع برزخها