Page 200 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 200

‫العـدد ‪33‬‬                              ‫‪198‬‬

                                 ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬                        ‫وظلت هذه المسألة مسألة‬
                                                                  ‫يشوبها الغموض لعدم قدرة‬
 ‫واحد وعشرون بحثًا‪ .‬وبرز‬          ‫فماذا عن هذا البحث‪ ،‬وماذا‬
     ‫في هذا المجال جيلفورد‬           ‫عن الأسئلة الكبرى التي‬           ‫الفلاسفة على تعليل هذه‬
                                       ‫تبناها وحققت علميتة؟‬           ‫الاستجابة أو تلك تعلي ًل‬
 ‫الذي نشر عد ًدا من البحوث‬          ‫أما عن بحث الإبداع بحثًا‬          ‫علميًّا يستند إلى براهين‬
  ‫أو شارك فيها في المدة من‬           ‫تجريبيًّا‪ ،‬فلم يكن ميدا ًنا‬      ‫حسية‪ .‬ومن ثم ظل علم‬
      ‫‪1975 -1950‬م‪ .‬انظر‬             ‫مطرو ًقا من قبل كما ذكر‬         ‫الجمال وموضوعه التذوق‬
   ‫لسويف‪ :‬الأسس النفسية‬              ‫يوسف مراد‪ ،‬ومصطفى‬             ‫والاستجابة الجمالية أسير‬
    ‫للإبداع الفني في الشعر‬          ‫سويف‪ .‬فقد مر التجريب‬               ‫المنهج الاستدلالي الذي‬
                                    ‫في علم النفس بعهدين بدأ‬           ‫يخضع للبراهين العقلية‬
‫خاصة دار المعارف‪ ،‬القاهرة‬                                          ‫بغض النظر عن اقترابها أو‬
‫‪ ،1970‬مقدمة الطبعة الثانية‬         ‫الأول منهما على يد الألماني‬
                                   ‫فنت الذي أنشأ أول معمل‬                   ‫بعدها عن الواقع‪.‬‬
      ‫ومقدمة يوسف مراد‪.‬‬             ‫سيكولوجي في ليبزج عام‬             ‫لذلك كان سؤال يوسف‬
‫ولعلنا نلحظ من هذا السياق‬        ‫‪ 1879‬وسبقه فيختر ‪1860‬م‬             ‫مراد لتلميذه سويف «ولم‬
                                 ‫بنشر كتابه في السيكوفيزيقا‬         ‫لا تدرس موضوع الجمال‬
        ‫التاريخي‪ ،‬أن البداية‬     ‫عن صلة التنبيه بالإحساس‪.‬‬            ‫في إطار من علم النفس؟»‬
    ‫الحقيقية لبحوث الإبداع‬         ‫وأهمية هذه المحاولة تكمن‬           ‫سؤا ًل كاش ًفا وباعثًا على‬
  ‫من منظور تجريبي‪ ،‬كانت‬                                            ‫الإثارة والشغف‪ .‬فهو يعني‬
     ‫مما كتبه جيلفورد عام‬              ‫في أن فيختر نقل بحث‬         ‫ببساطة‪ ،‬الانتقال من منهج‬
   ‫‪1950‬م‪ ،‬وأن البحث الذي‬           ‫الجمال والخبرات الجمالية‬          ‫إلى منهج‪ ،‬ومن مجال إلى‬
 ‫كتبه سويف عن الإبداع في‬           ‫من مجال العلوم الفلسفية‪،‬‬            ‫مجال‪ ،‬فدراسة الجمال‬
  ‫الشعر أنجزه عام ‪1949‬م‬             ‫إلى مجال العلم التجريبي‪.‬‬      ‫ليست رهنًا بعلم الجمال كما‬
‫بعد مناقشة علنية في جامعة‬         ‫فالتأملات الفلسفية في رايه‬        ‫صورته الفلسفة‪ ،‬والجمال‬
   ‫القاهرة‪ ،‬كان أحد أطرافها‬      ‫ينبغي أن تستند إلى ما يقدمه‬         ‫مع أنه ذو وجود مستقل‬
   ‫الشيخ أمين الخولي الذي‬         ‫الواقع من معلومات ثابتة لا‬       ‫في الفنون والطبيعة‪ ،‬يسهل‬
 ‫كان صاحب الدعوة المبكرة‬         ‫يمكن الحصول عليها والتأكد‬           ‫ترويضه إذا غيرنا المنهج‬
  ‫إلى دراسة البلاغة العربية‬
  ‫والنص الأدبي من منظور‬              ‫من صحتها إلا بالاعتماد‬             ‫من الاستدلال العقلي‪،‬‬
‫نفسي‪ ،‬مما يعني أن هاجس‬               ‫على المنهج العلمي‪ .‬ولكن‬           ‫إلى التجريب والاختبار‬
  ‫الانفتاح العلمي بين العلوم‬        ‫هذه البداية كانت مثل كل‬
     ‫والتخصصات المتقاربة‬            ‫البدايات بسيطة لم تلتفت‬              ‫وتمحيص الفروض‪.‬‬
‫والمتباينة كان حاض ًرا وقو ًّيا‬    ‫إلى ظاهرة الإبداع عامة في‬      ‫فالبداية كانت سؤا ًل استولد‬
   ‫سواء أكان في قسم اللغة‬           ‫الفن والعلم والتكنولوجيا‬
  ‫العربية حيث أمين الخولي‪،‬‬            ‫وأنشطة الحياة اليومية‪.‬‬        ‫بقية الأسئلة التي تبلورت‬
    ‫أم كان في قسم الفلسفة‬         ‫لذلك يرى سويف أن البداية‬              ‫في بحث رائد مؤسس‬
     ‫حيث كان يوسف مراد‬            ‫الحقيقية كانت بالبحث الذي‬
   ‫وتوجهه العلمي نحو ربط‬         ‫ألقاه جيلفورد في جمعية علم‬         ‫لمدرسة علمية توفرت على‬
‫البحث النفسي بالتجريب من‬         ‫النفس الأمريكية ونشره عام‬           ‫دراسة مسألة الإبداع في‬
  ‫ناحية‪ ،‬وبالبعد الاجتماعي‬        ‫‪1950‬م تحت عنوان “قدرة‬           ‫الفنون بدأها سويف بدراسة‬
    ‫من ناحية أخرى‪ .‬ولذلك‬            ‫الإبداع”‪ ،‬ثم ازداد اهتمام‬        ‫«الأسس النفسية للإبداع‬
     ‫استجاب سويف لرغبة‬              ‫العلماء بالإبداع فعقدوا له‬       ‫الفني في الشعر خاصة»‪،‬‬
   ‫أستاذه في دراسة الجمال‬            ‫مؤتم ًرا ‪1955‬م نشر فيه‬        ‫وقدمها لجمهور القراء عام‬
 ‫الأدبي من منظور تجريبي‪.‬‬                                             ‫‪1951‬م في الطبعة الأولى‪.‬‬
   195   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205