Page 18 - مجلة ثقافة قانونية - العدد الثالث
P. 18

‫من أحكام المحاكم العليا‬

‫إجراءات المحاكمة‪ ،‬باعتباره يكفل شفافية إجراءاتها ويوفر للمواطنين وسيلة التحقق‬                                              ‫ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها فى المقام الأول تستهدف مصلحة‬
‫من مراعاة ضمانات المحاكمة العادلة‪ ،‬بما يدعم الثقة فى حياد القضاء وعدالة أحكامه‪.‬‬                                            ‫عامة تتمثل فى حماية قرينة البراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء»‪.19‬‬
‫ونخلص مما تقدم أن أهم الضوابط التى يقوم عليها مبدأ المحاكمة المنصفة حق‬                                                     ‫ولم تقيد محكمة النقض نفسها عند تصديها لهذا المبدأ المهم ببحث الوقائع‬
‫المتهم فى أن يخضع لمحاكمة علنية قانونية عادلة‪ ،‬أمام قضاء مستقل محايد‪ ،‬تتاح له‬                                              ‫المطروحة عليها بنصوص القانون‪ ،‬بل أنها تعدت ذلك إلى بحث القواعد الدستورية‪،‬‬
‫خلال إجراءاتها سبل الدفاع عن نفسه‪ ،‬باعتبار أن حق المتهم فى الدفاع عن نفسه هو‬                                               ‫والنصوص المقابلة لها بالوثائق الدولية‪ .‬كما اهتدت فى بعض أحكامها بأحكام الشريعة‬
‫حق من حقوق الإنسان الأساسية‪ ،‬عالجته العديد من الوثائق الدولية‪ ،‬وكرسه الدستور‪،‬‬                                              ‫الإسلامية الغراء للتأكيد على هذا المبدأ وصو ًل إلى إسباغ حماية أكبر لحقوق الإنسان‪.20‬‬
                                                                                                                                                                            ‫الحق فى المحاكمة المنصفة‬
           ‫سوف نتعرض له بالمزيد من التفصيل فى نهاية هذا المحور من البحث‪.‬‬                                                   ‫إن مبدأ المحاكمة المنصفة تم تبنيه فى المادة ‪ 10‬من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان‬
                     ‫الحق فى الحرية الشخصية‬
‫الحرية الشخصية حق أصيل من حقوق الإنسان‪ ،‬فهى أحد الحقوق الطبيعية‬                                                            ‫لعام ‪ ،1948‬والمادة ‪ )1(14‬من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية لعام ‪ ،1966‬وتم‬
‫المقدسة للإنسان‪ ،‬وهـى بهذه الصفة من الحقوق الأساسية التى وردت فى الوثائق‬                                                   ‫تكريسه فى المادة ‪ 96‬من الدستور‪ ،‬وهو يتطلب بداء ًة حق كل فرد‪ ،‬لدى الفصل فى أية‬
‫الدولية والدساتير‪ ،‬وهى جزء هام من قضية الحريات العامة فى النظام القانونى‪،‬‬                                                  ‫تهمة جزائية توجه إليه أو فى حقوقه والتزاماته فى أية دعوى‪ ،‬أن تكون قضيته محل‬
‫الذى ترتكز عليه دولة القانون‪ ،‬فتعلى من شأن مبدأ سيادة القانون‪ .‬وفى هذا المعنى‬                                              ‫نظر منصف وعلنى من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية‪ ،‬منشأة بحكم القانون‪.‬‬
‫أكدت محكمة النقض أن الدستور قد اعتبر الحرية الشخصية من الحقوق اللصيقة‬                                                      ‫اوعلامتدنىل اةرل‪،‬مستسكختفتقهلرالأعهلحيفكيهامهفاالقاًهتضافماواققناياضتاتا ًءاللأددنفوا«لاعليمةتعاهلنمنسابفرريسئةه‪.»،‬فحإتونتهىرتمتيثنًببأاتهعإملداىنضتومااهبتفقطىادلممم‪،‬حوحاأاككخممًةذةاالمبقانالمنبصوانفديةئة‪:‬‬
                ‫بالأشخاص‪ ،‬وكفلها باعتبارها أقدس الحقوق الطبيعية للإنسان‪.29‬‬
‫ومن أخطر القيود التى ترد على الحرية الشخصية إجراءات القبض والتفتيش‪،‬‬
‫إذ أنها تمس حرية التنقل وحرمة الجسد‪ .‬ولهذا فقد رأينا استهلال هذه الورقة بأحد‬                                                                                                ‫محاكمة المتهم بطريقة قانونية عادلة؛‬
‫المبادئ الشهيرة التى وضعتها محكمة النقض القائل بأنه «لا يضير العدالة إفلات‬                                                                                                  ‫عن طريق قضاء مستقل ومحايد؛‬
‫مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بغير‬                                                                                                    ‫للقانون؛‬  ‫وف ًقا‬  ‫أمام محكمة ُمنشأة‬
‫وجه الحق»‪ ،‬والتى تواتر فى قضاء النقض الذى يكرس الحق فى الحرية الشخصية‪.‬‬                                                                                                                        ‫فى جلسات علنية؛‬
‫وقـد كفل الدستور حماية الحرية الشخصية بنصه فى الفقرة الأولـى من المـادة ‪54‬‬                                                                                                            ‫دون تأخير لا مبرر له؛‬
‫بنصه على أن «الحرية الشخصية حق طبيعى‪ ،‬وهى مصونة لا ُتس‪ ،‬وفيما عدا حالة‬                                                           ‫عن نفسه‪.‬‬     ‫والمحاك ُمتة َوا َفل ُرقالنوهنيفةياهلاعادجلمةيععبارلتضعمناهناامت احلكلماةزاملنةقللدضففاعى‬
‫التلبس‪ ،‬لا يجوز القبض على أحد‪ ،‬أو تفتيشه‪ ،‬أو حبسه‪ ،‬أو تقييد حريته بأى قيد إلا‬                                              ‫العديد من أحكامها‬
‫بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق»‪ .‬وحظر فى الفقرة الأولى من المادة ‪ 99‬الاعتداء‬                                              ‫بعبارة «المحاكمة المنصفة»‪ .‬ضوابط المحاكمة المنصفة – كما حددتها المحكمة الدستورية‬
‫على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين بنصه على أن «كل اعتداء‬                                                    ‫يتتتومثخلىفباىلأمسجمس اولعتةىمينقاولمقعولايعهاد‪،‬المبصودئنيكةراالمتةىالتإعنكساسن ومحضامامييةنهحاقنوقظاه ًاملاأمستاكاسيمة‪،‬ل‬  ‫العليا ‪-‬‬
‫على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين‪ ،‬وغيرها من الحقوق‬                                                                                                                                                                                  ‫الملامح‪،‬‬
‫والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون‪ ،‬جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية‬                                                ‫ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها‪ .21‬والحق‬
‫ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم‪ ،‬وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر»‪.‬‬                                        ‫شام ًل يتضمن العديد من الحقوق الجوهرية‬           ‫الفمنى الصموحاكصمعةلايلمهنا فصىفاةل‪،‬ديعستكورسوالممفواهثوي ًمقا‬
‫وأكدت محكمة النقض فى العديد من أحكامها حماية الحرية الشخصية التى‬                                                           ‫الدولية مثل احترام قرينة أو أصل البراءة‪ ،‬وحق‬
‫اأولخحابصةس‪،‬أفولممنتعجمز أن اىلقتيندقلعألوى اغيلرحذرليةكالمشن اخلقصييوةد‪.‬سوواع ًءركفانت‬  ‫تتعلق بكيان الفرد وحياته‬                                                                     ‫المتهم فى الدفاع عن نفسه‪.‬‬
                                                                                         ‫فى صورة قبض أو تفتيش‬              ‫ومن أهم ضوابط المحاكمة المنصفة – كما سبق وذكرنا ‪ -‬أن تقوم بالفصل فى‬
‫محكمة النقض القبض – باعتباره من أخطر القيود على الحرية الشخصية ‪ -‬فى قولها‬                                                  ‫الخصومة القضائية محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون‪ ،22‬باعتبارها ضمانات‬
‫«القبض على الإنسان إنما يعنى تقييد حريته‪ ،‬والتعرض له بإمساكه وحجزه‪ ،‬ولو لفترة‬                                              ‫أساسية لحماية الحقوق والحريات‪ ،‬تجد أساسها فى المادة ‪ 94‬من الدستور‪ .‬مع التشديد‬
‫الشخصية‬   ‫وأردفت أن «تقييد الحرية‬  ‫ضده»‪.‬‬    ‫يغيسريرةجاتئمزهإيلاد ًافلاىتإخحادذ بىعحالضاالتإالجترالبءاست‬                    ‫اوقعللساتضىلاقلأتل ُهناس‪4‬لنل‪2‬ز‪.‬اطوةهاحةليوقادةسضااتلئققيلةاضفلااءحل‪،‬قسفاإبن‪،‬ضبتى‪،‬لقوياهيوسمتاحقل ٌقلقاملضناالءحُسفقلوىطقبةالاللدإنقمسااضاأنئ‪3‬يص‪2‬ةب‪ .‬إحهذو ُين‪،‬قحافقبسليجأاينس ًبضلالعبقنانزصاضرهى‪،‬ىة‬
‫كما عرفت‬  ‫من السلطة المختصة»‪.30‬‬    ‫أو بإذن‬
‫التفتيش – وهو قيد خطير آخر على الحرية الشخصية ‪ -‬فى قولها «وتفتيش الشخص‬
‫يعنى البحث والتنقيب بجسمه وملابسه بقصد العثور على الشيء المراد ضبطه»‪.31‬‬
‫كما حددت أحوال التلبس ووضعت ضوابطها حتى لا تستغل فى القبض على الناس‬                                                        ‫وهناك ضمانات إجرائية أخـرى للمحاكمة المنصفة يتعلق جانب منها بسير‬
‫أو تقييد حريتهم بغير وجه فقررت بأنه «من المقرر فى قضاء هذه المحكمة ‪ -‬محكمة‬                                                 ‫إجراءات المحاكمة مثل علنية إجراءات المحاكمة‪ ،‬وسرعة الفصل فى الدعوى «العدالة‬
‫النقض ‪ -‬أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائى من قيام‬                                                         ‫ُيعردمسخجفواكزرةتاولقعيدعااللةعالقنوابةج إزلة‪.‬ا‬  ‫الناجزة»‪ ،‬بحيث يحاكم المتهم دون تأخير لا مبرر له‪ ،‬بما‬
‫الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو بإدراكها بحاسة من حواسه‪ ،‬ولا يغنيه عن ذلك تلقى‬                                                                                                   ‫بينما يتعلق الجانب الثانى منها بإصدار الأحكام مثل‬
‫دام‬  ‫ما‬  ‫نفسه‪،‬‬  ‫على‬  ‫آمثانراهلاغيينربئشابهذادتًاهكاعننأووقموتعههماًا»ي‪32‬ق‪.‬ر‬  ‫نبأها عن طريق الرواية أو النقل‬                ‫بموجب حكم قضائى‪ ،‬وضرورة تسبيب الأحكام‪ ،‬وعدم جواز محاكمة المتهم عن الفعل‬
                                                                             ‫هو لم يشهدها أو يشهد أثر ًا من‬                                                                                   ‫الواحد أكثر من مرة‪.25‬‬
                  ‫حق المتهم فى الدفاع عن نفسه‬                                                                              ‫ومبدأ علنية المحاكمة‪ ،‬يعكس أحد المعايير الدولية المعمول بها فى الإجـراءات‬
‫من حُيعقتبمرن احلقحاقلودقفاالعدركسيتزوةرأية‪،‬سافسهيوةلمصنيرقكاائلزصاللمةحبااكلمحةقالمفنىصاففتة‪،‬راوهضوايلربترابءةط(بأأكصثلر‬  ‫اولمُيادشةك‪7‬ل‪8‬ف‪1‬ىبنجصوههرعهلأى أحند‬  ‫القضائية‪ ،‬ومن المبادئ المستقرة فى النظم القانونية الوطنية‪،‬‬
‫البراءة)‪ ،‬والحق فى المساواة أمام القانون‪ .33‬وكرس قانون الإجراءات الجنائية الأحكام‬                                                                               ‫العناصر الأساسية للمحاكمة المنصفة‪ ،‬وقد كرسه الدستور فى‬
‫المتعلقة بحقوق الدفاع‪ ،‬منها ما يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة فى الوصول إلى‬                                                 ‫«جلسات المحاكم علنية‪ ،‬إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام‪ ،‬أو الآداب‪،‬‬
‫عدالة جنائية سليمة‪ ،‬ومنها ما هو متعلق بمصلحة المتهم الشخصية فى توفير الظروف‬                                                ‫اولفجىلسجامتيعمالنأالحوضاملايناكوت انلاألنساطسقيبةاللححقكومقفاىلدجفلاعس‪6‬ة‪،2‬علونهيوة»ي‪.‬عونمىنتثمكم‪،‬ي ُينعجدممهبودرأالعنلانيةس‬
                                                                                                                           ‫بغير تمييز من الاطلاع على إجراءات المحاكمة والعلم بها‪ ،‬وأبرز مظاهره السماح لهم‬
                                             ‫الملائمة لمباشرة حق الدفاع‪.34‬‬                                                 ‫بدخول القاعات التى تنعقد بها الجلسات والاطلاع على ما يتخذ فيها من إجراءات‬
‫ومن أبرز ضمانات المحاكمة العادلة كفالة حق المتهم فى الدفاع عن نفسه‪ ،‬وللمتهم‬                                                ‫وما يدور فيها من مناقشات‪ .27‬ولمبدأ علنية المحاكمة سند سياسى مرده الحرص على‬
‫أن يباشر هذا الحق بنفسه أو عن طريق مدافع عنه‪ ،‬وهى ضمانة أرستها الاتفاقيات‬                                                  ‫إشراك الجمهور فى المسائل التى تهم الرأى العام فى المجتمع‪ ،‬وتمكينه من الاطلاع‬
‫الدولية وكرسها الدستور‪ ،‬وأخذ بها قانون الإجـراءات الجنائية‪ .‬فقد كفل الدستور‬                                                ‫عليها‪ ،‬باعتبار أن حق الجمهور فى الحضور هو تعبير عن إشباع شعوره بالعدالة‪،28‬‬
‫المصرى حق الاستعانة بمدافع‪ ،‬كما تضمن قانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة‬                                              ‫وبالتالى فهو يستهدف تحقيق مصلحة عامة‪ ،‬تسهم فى ضمان حياد القضاء أثناء‬
‫أحكا ًما تنظم ذلك الحق وتكفل للمتهم حق الاستعانة بمدافع‪ .‬هذا وقد اشترطت‬

                                                                                                                                                                                              ‫يوليو ‪2024‬‬                                                                                                                                  ‫‪18‬‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23