Page 25 - مجلة ثقافة قانونية - العدد الثالث
P. 25

‫ض�� ي� ف�‬                                                                    ‫بقلم‪:‬‬
‫ا�لعدد‬
‫يوليو ‪2024‬‬
                         ‫د‪ .‬ســـامــح فــوزى‬

            ‫كاتب وكبير باحثين بمكتبة الإسكندرية‪،‬‬
                    ‫عضو لجنة تطوير الإدارة الثقافة‬

             ‫وتشريعاتها بالمجلس الأعلى للثقافة‬

              ‫المواطنــة مفهــوم قديــم حديــث يعنــى ارتبــاط‬
              ‫الشــخص بإقليــم أو دولــة يحمــل جنســيتها‪ ،‬ويصيــر‬
              ‫مــن رعاياهــا‪ .‬وقــد أدى تطــور حقــوق الإنســان إلــى‬
              ‫تطــور مماثــل علــى صعيــد إدراك مفهــوم المواطنــة‪.‬‬
              ‫إذ بينمــا ظهــرت الحقــوق المدنيــة والسياســية‪ ،‬تلاهــا‬
              ‫الحقــوق الاقتصاديــة والاجتماعيــة والثقافيــة‪ ،‬ســار‬
              ‫مفهــوم المواطنــة تقريبــا علــى نفــس الــدرب‪ ،‬ممــا‬
              ‫يشـير إلـى تطـور إدراك الحقـوق والواجبـات المكفولـة‬
              ‫للمواطــن بمــرور الزمــن‪ ،‬وهــى مســألة ترتبــط إلــى‬
              ‫حـد بعيـد بتطـور المجتمعـات‪ ،‬رغـم أن البشـرية ذاتهـا‬
              ‫ســارت بخطــوات جــادة فــى ســبيل تحقيــق ذلــك‬
              ‫خاصــة مــع صــدور العهديــن الدولييــن فــى الحقــوق‬
              ‫المدنيــة والسياســية مــن جانــب والحقــوق الاقتصاديــة‬
              ‫والاجتماعيــة والثقافيــة مــن جانــب آخــر متزامنيــن‪ ،‬لــم‬
              ‫يســبق أحدهمــا الآخــر‪ .‬مــن هنــا يظهــر التفــاوت فــى‬
              ‫طبيعــة ممارســة حقــوق وواجبــات المواطنــة مــن‬
              ‫مجتمــع لآخــر‪ ،‬حيــث يظهــر انجــاز مجتمــع فــى مجــال‬
              ‫الحقـوق السياسـية والمدنيـة‪ ،‬ويظهـر تقـدم مجتمـع‬
              ‫آخــر فــى مجــالات الحقــوق الاقتصاديــة والاجتماعيــة‪،‬‬
              ‫رغــم أن الحقــوق واحــدة‪ ،‬لا تتجــزأ‪ ،‬ويصعــب تحقيــق‬
              ‫اســتدامة فــى حقــوق المواطنــة‪ ،‬دون أن تتحقــق‬

                          ‫الحقــوق والحريــات علــى اختــاف انماطهــا‪.‬‬

                                                ‫معان متعددة لمفهوم واحد‬
         ‫هناك معان عديدة للمواطنة‪ .‬نجدها قانونا فى المساواة بين الناس‪،‬‬
         ‫وثقافيا فى احترام التنوع‪ ،‬واجتماع ًيا فى محاصرة الفقر والقضاء على‬
         ‫التهميش‪ ،‬ويتجه بعض الدارسين إلى اعتبار المشاركة فى الشأن العام‬
         ‫سمة أساسية للمواطن‪ ،‬حيث لا يستقيم أن يكون الشخص مواط ًنا فى‬
         ‫أى مجتمع دون أن يشارك فى المجال العام‪ ،‬حسب تعريف هبرماس‪،‬‬

                                               ‫خاصة على المستوى المحلي‪.‬‬
         ‫هناك ركان أساسيان للمواطنة‪ ،‬يصعب أن تتحقق دون بلوغ كليهما‪:‬‬
         ‫الأول هو احترام التنوع‪ ،‬حيث لا يوجد مجتمع على الصعيد العالمى‬
         ‫ذو لون واحد ثقافيا ودينيا ولغويا وعرقيا‪ ،‬من هنا يكون قبول الآخر‪،‬‬
         ‫واحترام التنوع أساسا يستند إليه مفهوم المواطنة‪ ،‬ولا تستقيم علاقات‬
         ‫المواطنية دون ذلك‪ .‬ومع وجود التنوع تظل رابطة المواطنة تجمع المواطنين‬
         ‫كافة فى وطن واحد‪ .‬ويحتاج التنوع مثل رأس المال‪ ،‬إلى إدارة كفء‬
         ‫واستثمار دائم وتراكم مستمر‪ .‬وإذا نظرنا إلى خبرات التاريخ‪ ،‬سنجد‬
         ‫مجتمعات نجحت فى إدارة التنوع‪ ،‬فاستطاعت أن تحافظ على تماسكها‬
         ‫الوطنى‪ ،‬وتحقق نهضة اقتصادية‪ ،‬وتعزز روح التضامن بين مواطنيها‪.‬‬
         ‫وهناك مجتمعات أخرى أظهرت فشلا متفاو ًتا فى إدارة التنوع‪ ،‬مما‬
         ‫أدى إلى تمزقها‪ ،‬وتبعثر كيانها‪ ،‬وسمحت بالتدخل الخارجى فى شئونها‬

                                                                 ‫الداخلية‪.‬‬
         ‫الركن الثانى هو المشاركة‪ ،‬حيث يصعب أن تتحقق المواطنة دون أن‬
         ‫يكون المواطن مشاركا فى الشأن العام‪ ،‬حاضرا‪ ،‬وفاعلا‪ ،‬ملما بما يحدث‬
         ‫من حوله‪ ،‬مبادرا إلى المشاركة‪ .‬وهنا نفرق بين نوعين من المواطنين‪ :‬بين‬
         ‫المشارك والمبادر وهو يشبه الفرسان فى ميدان القتال ‪Gladiator‬‬

 ‫‪25‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30