Page 16 - تنوير 4-8
P. 16

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫جمي ًعـا يتفقـون – رغـم الاختـاف فـي الدرجـة – علـى‬             ‫مغالًيـا فـي فكـره‪ ،‬متعصًبـا‪ ،‬ومفتقـًدا للاعتـدال‪ ،‬يـرى دائ ًمـا‬
‫السـمات الأساسـية للدولـة المدنيـة؛ وهـى دولـة الشـعب لا‬        ‫أن أريه هو الصواب‪ ،‬و أري غيره خطأ‪ ،‬الأمر الذي يدفعه‬
‫دولـة الفـرد‪ ،‬ولا دولـة فئـة‪ ،‬ولا دولـة طبقـة‪ .‬إنهـا دولـة‬      ‫دف ًعـا للتمييـز بيـن الأفـ ارد علـى أسـاس الديـن أو العـرق‬
‫مـن يعيشـون فـي جماعـة واحـدة‪ ،‬ويسـهمون فـي بنائهـا‪،‬‬            ‫أو غيـر ذلـك مـن أسـباب التمييـز العنصـري الأخـرى‪،‬‬

‫ويشـتركون فـي إنتاجهـا‪ ،‬ولا بـد أن يشـاركوا أي ًضـا فـي‬         ‫وهـذا فـي حـد ذاتـه ضـد الديمق ارطيـة‪ .‬كذلـك يـؤدي ضعـف‬
‫عائـد هـذا الإنتـاج بقـدر مـا قدمـوا فيـه مـن عمـل‪ .‬كذلـك فـإن‬  ‫منظمـات المجتمـع المدنـي إلـى إعاقـة الديمق ارطيـة بشـكل‬
‫مفهـوم الحريـة الإيجابيـة فـي القـرن العشـرين يؤمـن بحـق‬        ‫صحيـح‪ ،‬وُيْق َصـد بمنظمـات المجتمـع المدنـي‪ :‬الجمعيـات‬
‫النـاس فيمـا يعتقـدون‪ ،‬وحقهـم فـي التعبيـر عمـا يعتقـدون مـا‬    ‫والنقابـات والكـوادر‪ ،‬والمؤسسـات المحليـة المسـئولة عـن‬

‫العمـل الديمق ارطـي داخـل المجتمـع‪ .‬إن ضعـف مثـل هـذه دام تعبيرهـم سـلمًّيا‪.‬‬

‫إن حـق كل مواطـن فـي أن يقـول‪« :‬نعـم»‪ ،‬وفـي أن‬                  ‫القـوى‪ ،‬وتدنـي ممارسـتها لدورهـا‪ ،‬وعـدم وجـود أنشـطة‬
‫يقـول‪« :‬لا» ‪ -‬وهـو آمـن فـي كلتـا الحالتيـن ‪ -‬هـو حـق لا‬        ‫حقيقيـة لهـا علـى أرض الواقـع؛ ُي َعـُّد عائًقـا مـن معوقـات‬
‫تقـوم الحريـة إلا بـه‪ .‬وحتـى يكـون لهـذا الحـق أبعـاد حقيقيـة‬
                                                                                                  ‫تحقيـق الديمق ارطيـة‪.‬‬

‫ووفًقـا لمفهـوم الديمق ارطيـة تصبـح الدولـة هـى دولـة كل مؤثـرة؛ فإنـه لا بـد أن يرتبـط بالأمـن الاقتصـادي‪ ،‬ذلـك‬
‫الشـعب‪ ،‬لا دولـة فـرد‪ ،‬ولا دولـة فئـة‪ ،‬ولا دولـة طبقـة‪ .‬لأن اختفـاء الأمـن الاقتصـادي أو تهديـده يسـلب الإنسـان‬

‫إنهـا دولـة مـن يعيشـون فـي جماعـة واحـدة‪ ،‬ويسـهمون فـي الإمكانية الحقيقية على قول «نعم»‪ ،‬أو قول «لا»‪ .‬كذلك‬

‫بنائهـا‪ ،‬ويشـتركون فـي إنتاجهـا‪ ،‬ولا بـد أن يشـاركوا أي ًضـا فـإن مؤسسـات الدولـة جميعهـا يجـب أن تكـون تعبيـًار عـن‬
‫فـي عائـد هـذا الإنتـاج بقـدر مـا قدمـه كل مواطـن مـن عمـل‪ .‬إ اردة مجمـوع النـاس الذيـن يكونـون تلـك الدولـة‪ ،‬فالقواعـد‬

‫كذلـك فـإن مفهـوم الحريـة الإيجابيـة فـي القـرن العشـرين يقـر القانونيـة التـي لا تنبـع مـن ضميـر الجماعـة سـتكون مثلهـا‬

‫بحـق النـاس فـي اعتنـاق مـا يؤمنـون بـه‪ ،‬وحقهـم فـي التعبيـر مثـل القيـم الغريبـة التـي لـم يفرزهـا ضميـر تلـك الجماعـة‪،‬‬

                            ‫لا جـذور لهـا‪ ،‬ولا أسـاس‪.‬‬           ‫عمـا يعتقـدون‪ ،‬مـا دامـوا يعبـرون عـن معتقداتهـم بطريقـة‬
                                                                                                             ‫سـلمية‪)(.‬‬
‫‪ -2‬هل تفتقر الديمق ارطيات الغربية إلى القيم الأخلاقية؟‬
                                                                    ‫أما الدولة المدنية فإنها تقوم على عدة مبادئ أهمها‪:‬‬
‫وإذا حاولنـا فحـص النهـج الغربـي فـي الترويـج‬
‫للديمق ارطيـة‪ ،‬ومـدى ارتبـاط هـذه الديمق ارطيـة بالقيـم‬                              ‫•الشعب مصدر السلطات‪.‬‬         ‫	‬
‫الأخلاقيـة السـامية‪ ،‬فسـوف نجـد أن الديمق ارطيـة ليسـت‬          ‫•المسـاواة وعـدم التمييـز علـى أسـاس الديـن أو‬    ‫	‬
‫مجرد نظام سياسـي أثبت نفسـه بكفاءته وفعاليته في سـوق‬
‫المنافسـة العالميـة التـي دارت طـوال القـرن العشـرين بيـن‬                                            ‫ا لع ـرق ‪.‬‬   ‫	‬
‫الفاشـية‪ ،‬والنازيـة‪ ،‬والشـيوعية‪ ،‬والاشـت اركية‪ ،‬ولكنهـا أسـلوب‬                           ‫•حرية ال أري والاعتقاد‪.‬‬  ‫	‬
‫حيـاة‪ .‬بمعنـى أنهـا إن لـم تمـارس فـي البيـت والمدرسـة‬                      ‫•العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص‪.‬‬     ‫	‬
‫والجامعـة والمصنـع والمؤسسـة‪ ،‬بـل وفـي الحـوار بيـن‬                            ‫•احت ارم حق الاختيار والاختلاف‪.‬‬    ‫	‬
                                                                      ‫•سيادة دولة القانون والفصل بين السلطات‪.‬‬

‫وإذا ألقينـا نظـرة سـريعة علـى أفـكار «جـون ديـوي» منظمـات المجتمـع المدنـي‪ ،‬فـإن تجلياتهـا السياسـية تصبـح‬
‫و«هـارون لانيسـكي» و«برت ارنـد رسـل» وغيرهـم؛ لوجدناهـم بـا معنـى‪ ،‬أو سـتفتقر إلـى جوهرهـا الحقيقـي‪ .‬وفـي ضـوء‬

                                                                ‫‪16‬‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21