Page 43 - m
P. 43

‫‪41‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                  ‫«زلنبح» الأب!‬      ‫ظل الصراع الدرامى بين الشخصيات قائ ًما حتى‬
‫لا أدري لماذا لم أتفاعل مع غلاف الرواية؟ هل جاء‬       ‫نهاية الرواية‪ ،‬تتبع المتلقي رحلة زلنبح الابن من‬
                                                   ‫البر إلى البحر والعكس‪ ،‬وعبوره الصحراء والجبال‬
    ‫زلنبح ليضيء هذا العالم المظلم‪ ،‬فيكون ضحية‬       ‫الثلجية‪ ،‬رحلة الإنسان في الأرض‪ ،‬هل يعيد زلنبح‬
      ‫البشر‪ ،‬وشرورهم‪ ،‬لا ضحية الشياطين‪ ،‬هي‬          ‫الابن رحله جده الأول‪ ،‬وسياحته في الأرض‪ ،‬بحثًا‬

 ‫وجهة نظر‪ ،‬أراد حجاج أدول أن ننظر إلى أنفسنا‪،‬‬                            ‫عن مرفأ الأمان والسلامة‪.‬‬
‫علنا نتخلص من طاقة الشر المرعبة‪ ،‬التي قد تفوق‬          ‫في نهاية الرواية تنتهي حياة زلنبح الأب‪ ،‬وهو‬
                                                   ‫أمر يتفق مع نظرة الثواب والعقاب‪ ،‬نتلمس أصداء‬
  ‫تصورنا لما يفعله الشياطين‪ ،‬والجن‪ ،‬والعفاريت‪،‬‬
                                       ‫والمردة؟‬          ‫مسرحية «أوديب الطاغية» أو «أوديب مل ًكا»‬
                                          ‫ربما‪.‬‬       ‫لسوفوكليس‪ .‬قتل أوديب أباه «لايوس» وتزوج‬
                                                       ‫أمه «جوكاستا» كما قالت النبوءة‪ ،‬وصار مل ًكا‬
  ‫إذا كان زلنبح هو بطل الرواية فإن ضرغام رمز‬
                  ‫الإنسان‪ ،‬وصراعه لنيل حريته‪.‬‬           ‫على تيفا‪ ،‬لكن الوباء اجتاح المدينة‪ ،‬فصار على‬
                                                     ‫أوديب أن ينتقم ممن قتل الملك‪ ،‬حينما يعرف أنه‬
      ‫بالإضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن حجاج أدول يتمسك‬         ‫قاتل أبيه‪ ،‬يفقأ عينيه انتقا ًما من نفسه‪ ،‬وفي نهاية‬
   ‫بالمحبة والسلام‪ ،‬تيمة التمرد على بطش السلطة‬
   ‫الطاغية‪ ،‬وضرغام‪ /‬مكين نموذج لهذا التحدى‪،‬‬            ‫روايتنا‪ ،‬يقتل زلنبح أباه الحقيقي‪ ،‬بعدما ينطق‬
    ‫فالبداية هي الإنسان معمر هذه الأرض‪ ،‬يحدد‬                                     ‫الأب بالسر لابنه‪.‬‬
‫أدول الصراع‪ ،‬فهو ليس صرا ًعا قو ًّيا‪ ،‬لكنه صراع‬
   ‫طبقي بين الفقراء المعدمين‪ ،‬وبين الأغنياء ملاك‬     ‫الحوار بين زلنبح الابن مع دوستوف هو حوار‬
‫الأرض‪ ،‬الفقراء يصورهم عبي ًدا ُيجلدون بالسياط‪،‬‬     ‫فكري درامي‪ ،‬يؤكد على حكاية البشر الأبدية التي‬
                                                    ‫ستتردد على ألسنة البشر على مر العصور‪ ،‬وكأن‬
      ‫و ُيسحلون‪ ،‬والمزارعون محشورون في بيوت‬
 ‫حقيرة كالجحور‪ ،‬والأغنياء يعيشون في القصور‪،‬‬              ‫دوستوف هو العراف في أسطورة «أوديب»‪:‬‬
  ‫الصراع الطبقي بين الفقراء والأغنياء خلق طبقة‬      ‫أنت خطأ الله المقصود‪ ،‬الله خلقك معطو ًبا لقصد‪.‬‬
   ‫أخرى انتخبت من الفقراء‪ ،‬هم الخفراء‪ ،‬ضرغام‬
‫يصير رم ًزا بعد أن نال عقابه علي أيدي الخفراء‪ ،‬لا‬          ‫زلنبح‪ :‬أنا معطوب؟ ولم خلقتنى معطو ًبا؟‬
‫يتخلي عن حلمه في إقامة مدينة الكل فيها سواسية‪،‬‬                  ‫دوستوف‪ :‬إنها مشيئة‪ ،‬يا قاتل أبيه‪.‬‬

          ‫ينعمون بالخير الذي يزرعونه بأيديهم‪.‬‬      ‫زلنبح‪ :‬أنا قاتل أبي! ليتني أقتنع بهذا ثم أستطيعه‪.‬‬
  ‫الفكرة طوباوية‪ ،‬لكنها ‪-‬للأسف‪ -‬تنتهي بطريقة‬          ‫يقدم حجاج أدول نسخة جديدة من الأسطورة‪،‬‬
                                                    ‫فالابن لا يهرب من قدره كما فعل «أوديب» هر ًبا‬
       ‫درامية‪ ،‬حينما يصبح الصراع بين الإنسان‬           ‫من النبوءة‪ ،‬زلنبح يتمنى أن يقتل أباه الإنسي‬
            ‫والشيطان‪ ،‬لنعود إلى البداية من جديد‬       ‫«مكين» إلا أن الكاتب يجعله يقتل أباه الحقيقى‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48