Page 118 - m
P. 118

‫العـدد ‪56‬‬                           ‫‪116‬‬

                                    ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

                                              ‫جمال عمر‬

  ‫سيادة الرؤية‬
‫الفقهية للعالم‬

  ‫وكأن الأمر أصبح ُمختص ًرا في‬       ‫وأصبح الأمر مجرد تقليد للأئمة‬          ‫سادت الرؤية الفقهية للعالم‪،‬‬
    ‫مجرد (حلال أو حرام) فقط‪،‬‬           ‫السابقين في المذهب‪ ،‬ولتتحول‬
                                        ‫المدارس الفقهية التي وصلتنا‬         ‫وأزاحت للخلفية الرؤى الأخرى‬
 ‫في نظرة حد ِّية للحياة والوجود‪.‬‬        ‫في نهايات القرن الثامن عشر‬                ‫من رؤى كلامية وبلاغية‬
‫وكأن الحياة هي مجرد أبيض أو‬
                                     ‫الميلادي‪ ،‬إلى قلاع حربية يحتمي‬            ‫وفلسفية وصوفية‪ ،‬ليتصدر‬
                        ‫أسود‪.‬‬           ‫بها المتمذهبون ويحمونها من‬        ‫المشهد ما يمكن أن نسميه «إسلام‬
  ‫هذه النظرة الحمائية‪ ،‬الدفاعية‪،‬‬        ‫غارات المذاهب الأخرى‪ ،‬حتى‬          ‫الشريعة»‪ .‬رؤية وتصور وقراءة‬
 ‫جعلت الرؤية الفقهية للعالم هي‬          ‫أصبحت هذه المذاهب الأخرى‬
                                                   ‫بمثابة دين آخر‪.‬‬          ‫للإسلام تختصره في الشريعة‪،‬‬
     ‫رؤية ضد الآخر‪ ،‬كل الآخر‪،‬‬                                                   ‫ورغم التفرقة على المستوى‬
‫والآخر ليس الآخر في الدين فقط‬         ‫هذه الطبيعة الحمائية التقاليدية‬          ‫النظري بين الشريعة والفقه‬
 ‫أو الآخر في المذهب العقيدي‪ ،‬ولا‬          ‫جمدت المدارس الفقهية من‬
 ‫الآخر في المذهب الفقهي فقط‪ ،‬بل‬                                             ‫لكن في الواقع والممارسة ترجع‬
 ‫كل صاحب رأي آخر‪ ،‬مما جعل‬              ‫داخلها‪ ،‬وكانت درجات الموقف‬              ‫الشريعة وتتطابق مع الفقه‪.‬‬
  ‫الأمر؛ ضدية طوال الوقت‪ ،‬وقد‬         ‫الفقهي من أفعال الإنسان التي‬
                                      ‫يسمونها «الأحكام الفقهية» عند‬       ‫لكنه لم يعد الفقه في تعدد مدارسه‬
  ‫رسخ منها‪ ،‬أن منظومات الفقه‬            ‫معظم المدارس الفقهية خمسة‬               ‫الفكرية‪ ،‬بل الفقه الذي كان‬
     ‫أص ًل نبتت وتشكلت في ظل‬
                                           ‫درجات (الواجب والحرام‬          ‫متعد ًدا داخل المدرسة الواحدة‪ ،‬قد‬
  ‫الدولة الإمبراطورية؛ دولة غير‬          ‫والمندوب والمباح والمكروه)‪،‬‬       ‫تجمد‪ ،‬وباختفاء عشرات المدارس‬
   ‫ثابتة الحدود‪ ،‬حدودها تتحدد‬        ‫وجعلها الأحناف سبعة (الفرض‬
   ‫بالغزو وبفرض السلطة‪ ،‬دولة‬             ‫والواجب والحرام والمندوب‬            ‫الفقهية من الساحة‪ ،‬ليصلنا في‬
‫قائمة على التعدد اللغوي والعرقي‬     ‫والمكروه تحري ًما والمكروه تنزي ًها)‬       ‫عصرنا تقريبًا ثمانية مذاهب‬
 ‫والثقافي والديني والمذهبي‪ .‬دول ٌة‬     ‫حين تجمدت المدارس الفقهية‪،‬‬
  ‫يقوم التواجد والمكانة فيها على‬                                            ‫فقهية‪ :‬سنية وشيعية وإباضية‪،‬‬
                                                                             ‫من عشرات مدارس الفقه التي‬
                                                                             ‫ظهرت عند المسلمين‪ .‬بل تجمد‬
                                                                           ‫التفكير داخل كل مدرسة فقهية‪،‬‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123