Page 87 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 87
85 إبداع ومبدعون
قصــة
حين فشل الطب في علاجي لولا أن استعنت بالإلهام
والاستغناء والتأمل الشارد .بدأ يشرب محلول الشاي
المخفف مع إصراره على بقاء الملعقة بداخل الكوب أثناء
الشرب .التفت إل َّي فجأة وقال كمن ينبهني إلى حدث
خطير:
-اللحمة.
-مالها اللحمة؟!
-يوزعونها في عيد الضحية.
-آه ..كل سنة وانت طيب.
كانت رائحة الشواء منبعثة من الرصيف المقابل
للمقهى ككل يوم .عربة صغيرة عليها موقد فحم يقف
أمامه شاب سمين لدرجة الاستدارة الكروية الكاملة.
يقوم وحده بالعمل كله .خوف شديد مجهول الهوية
آخذ بملامحه وأنفاسه وحركاته ،حتى وهو يتفحص
من تحت عينيه باهتمام خفي مؤخرات النساء اللاتي
يعبرن الطريق.
بجوار العربة يجلس أبو جابر .لا يفارق مقعده الا
للتبول بالمقهى .ترتسم على وجهه علامات هم وسخط
وغضب لم تنحسر عنه يو ًما منذ اعتدت الجلوس على
هذا المقهى ،حتى بعد أن أخذ جرعتي المصل الواقي
من الكورونا وأصبح على يقين من أن الفيروس لن
يصيبه .عمله الوحيد هو أن يتسلم الفلوس من جابر
الذي يحاسب الزبائن ويوقد الفحم ويقطع اللحم
ويزنه ويشويه ويضعه في الأرغفة الفينو وفوقه
الطحينة والسلطة.
-أيووووووه ..أنا أموت في اللحمة .مقاس رجلي
أربعة .ألاقي عندك مداس؟
-أنت رجل طيب يا ..ما اسمك؟
-اسمي حسن وحياة النبي.
ناديت أنور .أعطيته عدة جنيهات .نظر إل َّي مستفس ًرا
دون أن يتكلم:
-هات له رغيف لحم من عند جابر.
ما إن استدار أنور حتى صاح حسن بلهجة عسكرية
آم ًرا أنور:
-هات كفتة!
-حاضر.
راح يتأملني بعينين تفيضان شجنًا غام ًضا ش َّدني إلى
ما ٍض سحيق .أخرج من جيبه ورقة متهالكة بها بقايا
أقراص طعمية غير متماسكة ،قضم منها قضمتين