Page 114 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 114
العـدد 38 112
فبراير ٢٠٢2
هذا الاحتمال وهذه القراءة التأويلية لنسق الأجداد
والآباء والأبناء؛ أن هذا ثابت في الشخصيتين
الأساسيتين أو بطلي هذه الرواية سوسنة ونورس،
فهي مات أبوها وكانت يتيمة وأمها تبدو سلبية أو
عاجزة أمام مشاكلها ،والأمر ذاته بالنسبة لنورس
الذي كان أبوه مري ًضا وهو يعجز عن أن يحمله أو
يعاونه في مرضه ،في حين ظل الجد هو القادر على
حمل هذا الأب المريض ويعينه في احتياجاته ،وإذا
كان الأب يعيش بعد الجد فهي حياة كعدمها ،وليس
لها قيمة لأنه عاش مري ًضا وعاج ًزا يحتاج للآخرين
وبخاصة الجد الذي بقي يملك القوة والقدرة حتى
النهاية ،والأمر ذاته بالنسبة للجدة التي كانت أكثر
قدرة على العطاء من الأم .ومما يؤكد هذا التأويل
-أو يدعمه كذلك -هو الأوصاف التي وصف بها
بيت الجد من الازدهار والاتساع والجمال وكثرة
الأشجار والورود والأزهار وغيرها من علامات
الجمال .في حين يبقى الواقع متهد ًما ،أو البيت
الجديد تهيمن عليه الروائح السيئة والعفونة،
وكثير من مظاهر التهدم مثل الحمام الذي يسرب
ويسبب له مشكلة مع جارته الأرمينية أو الجيران
المتطفلين أو الحشريين الذين يفرضون أنفسهم
وقوانينهم ومنطقهم عليه وغيرها من العلامات،
فكأن هذا البيت القديم للجد هو ماضي الحضارة
العربية والإسلامية وماضي العرب الذي كان
مزده ًرا ،في حين ليس في حاضرهم غير القصف
والقتل والتخريب والازدحام في طوابير مصلحة
الهجرة والجوازات والغرق في البحر ،وهي علامات
حاضرة بقوة في خطاب الرواية بما يصل بها إلى
درجة الإلحاح ،ولكنها متوزعة بشكل هندسي جيد
في الفضاء السردي بما يجعلها ملتحمة بعناصر
حياتية أخرى ،فيكون الناتج تك ُّون نسيج إنساني
واجتماعي كامل وفيه قدر من التشويق والمتعة،
ولا يمضي على مسار واحد من وصف الحرب
والخراب ،بل يحاول أن يجمع بين ما هو طبيعي
من التفاصيل الحياتية مع ما هو استثنائي أو
طارئ من إشكاليات ،فيكون في السرد مث ًل ما
يرتبط بالتنظيف والطعام والخروج وتصفح الفيس
بوك وكتابة الأشعار ،كما يكون ما هو عكس ذلك
من المرض والخوف والقتل وغيرها من أحداث