Page 223 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 223

‫‪221‬‬       ‫الملف الثقـافي‬

‫يحيي حقي‬  ‫باروخ اسبينوزا‬      ‫ايمانويل ليفيناس‬                 ‫هذا العقل ذاته يصدر عنه‬
                                                                 ‫أقنوم ثالث وهو النفس‪،‬‬
  ‫الروح خالد باق أزلي‪ ،‬أما‬       ‫الأندلسي ابن رشد‪ ،‬وهو‬          ‫أي النفس الكلية‪ ،‬أو نفس‬
  ‫البدن فهو فاسد فان آني‪،‬‬         ‫من أعظم ُش َّراح الفلسفة‬
 ‫يفسد بموت الإنسان‪ ،‬وقد‬        ‫الأرسطية على وجه العموم‪:‬‬       ‫العالم التي ينشأ عنها المكان‬
  ‫شغلت هذه الثنائية تاريخ‬        ‫“وذلك أن الفعل هو كمال‬        ‫والزمان‪ ..‬ولكن هذا العالم‬
   ‫الفلسفة كله منذ أرسطو‬      ‫القوة‪ ،‬والذي من أجله وجدت‬       ‫المتكثر بكله وكلكله في تأمل‬
                                 ‫القوة‪ ،‬وهو السبب الغائي‬        ‫صامت لذلك الواحد الذي‬
    ‫وحتى أيامنا الحالية(‪.)7‬‬        ‫لها”(‪ .)5‬عن هذه الفكرة‬
   ‫فيقول الجزار معب ًرا عن‬    ‫الفلسفية يقول صاحب كتاب‬        ‫صدر منه وعنه ومشتاق إليه‬
‫هذه الفكرة في رباعية رائعة‪،‬‬                                    ‫وإلى العودة إليه من جديد‪،‬‬
 ‫تعبر عن الاختلاف ‪-‬وربما‬                ‫السطور الأربعة‪:‬‬         ‫الأمر الذي ير ُّد الكثرة إلى‬
   ‫التناقض‪ -‬بين ما يتطلبه‬              ‫شرب الحليب ونام‬        ‫الواحد‪ ،‬والواحد إلى الكثرة‪،‬‬
   ‫الفؤاد الذي يمثل الجانب‬          ‫الرضيع الذي في المهد‬       ‫كما تقول الرباعية في تأثر‬
 ‫الروحي‪ ،‬وما يتطلبه البدن‬         ‫شرب الحليب ونام للأبد‬        ‫واضح بفلسفة أفلوطين في‬
   ‫الذي يمثل الجانب المادي‬          ‫الشيخ الذي في داخله‬      ‫القول بنظرية الفيض‪ ،‬والتي‬

        ‫من ثنائية الإنسان‪:‬‬                    ‫الرضيع(‪.)6‬‬     ‫تأثر بها من فلاسفة الإسلام‬
           ‫ُشغل ُت بها عنها‬   ‫ثم لا تبرح الفلسفة اليونانية‬    ‫كل من الفارابي وابن سينا‬
                                                                   ‫ورفضها ابن رشد(‪.)3‬‬
  ‫معشوقتان تسكنان الفؤاد‬        ‫تلقي بظلالها على رباعيات‬
                 ‫والجسد‬             ‫كتاب السطور الأربعة‬      ‫ويؤكد هذا المعنى من اشتياق‬
                                                              ‫الموجودات وعشقها للواحد‬
 ‫إن أرضي ُت واحد ًة أغضب ُت‬   ‫فتتجلى في فكرة الثنائية‪ ،‬التي‬                      ‫قوله‪:‬‬
                  ‫الأخرى‬        ‫ترى أن الإنسان مكون من‬              ‫ل َك من العشاق واح ٌد‬
                              ‫عنصرين اثنين أو من ثنائية‬              ‫ل َك من العشاق أل ٌف‬
  ‫وإن أتي ُت إحداهن اشتق ُت‬                                                 ‫الواح ُد أل ٌف‬
          ‫للثانية الأولى(‪.)8‬‬  ‫متعارضة هي الروح والبدن‪،‬‬                  ‫والأل ُف واح ٌد(‪.)4‬‬
                                                             ‫ثم ينتقل بنا إلى فكرة أخرى‬
                                                              ‫تتغلغل في ثنايا الفلسفة منذ‬
                                                                 ‫أرسطو وهي فكرة القوة‬

                                                             ‫والفعل‪ ،‬فالشيء ‪-‬أي شيء‪-‬‬
                                                             ‫عند أرسطو له وجود بالقوة‬

                                                                 ‫ووجود بالفعل‪ ،‬فالبذرة‬
                                                                  ‫شجرة بالقوة‪ ،‬وعندما‬
                                                             ‫ُتزرع وتنمو وتصبح شجرة‬
                                                              ‫فهي حينذاك تصبح شجرة‬
                                                                 ‫بالفعل‪ ،‬فالفكرة في طور‬
                                                                ‫التكوين هي فكرة بالقوة‪،‬‬
                                                                  ‫وعندما تكتمل وتصبح‬
                                                                  ‫شيئًا ملمو ًسا في الواقع‬
                                                              ‫تكون حينذاك فكرة بالفعل‪.‬‬
                                                                ‫وفي ذلك يقول الفيلسوف‬
   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227   228