Page 286 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 286

‫العـدد ‪38‬‬                         ‫‪284‬‬

                                 ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫هذا أن ما يقض مضجع الإنسان‬          ‫الشر؛ فهو يفعل ما هو صالح‬       ‫في الموت مرات عديدة إذا كان هذا‬
 ‫إنما تلك الإمكانيات التي تجعله‬        ‫لأنه شيء صالح عن طريق‬          ‫صحي ًحا»(‪ .)3‬وهذه زاوية أخرى‬
   ‫نهبا ‪-‬في كل حين‪ -‬لعوارض‬                                          ‫من تأملات سقراط حول المسألة‪،‬‬
     ‫المرض‪ ،‬والفشل‪ ،‬والشقاء‪،‬‬        ‫إرشاد العقل وليس عن طريق‬          ‫وهي أن الإنسان ينشد الحقيقة‪،‬‬
                    ‫والموت»(‪.)6‬‬   ‫كبح الخوف‪ ،‬فالإنسان في حياته‬         ‫وهو لم يكن على يقين منها في‬
  ‫هذه العوارض لا تنفي تعرض‬                                             ‫حياته‪ ،‬فهو يأمل إنشادها فيما‬
    ‫الإنسان الحر لها في حياته‪،‬‬         ‫يسعى لنيل السعادة وليس‬           ‫بعد الموت‪ .‬وبذلك فالموت لديه‬
  ‫سيموت الإنسان الحر بالطبع‬        ‫لتفادي الحزن؛ لأن العيش وف ًقا‬    ‫ليس ش ًّرا‪ ،‬لأنك تدرك من خلاله‬
‫ويشقى ويمرض‪ ،‬وهذا جزء من‬         ‫لتفادي الحزن والشر وغيره بد ًل‬
  ‫الطبيعة‪ ،‬فالإنسان ليس بمنأى‬       ‫من السعي وراء الفرح والخير‬      ‫الحقيقة النهائية‪ ،‬وأن أفضل شيء‬
   ‫عن التغييرات التي تحدث من‬                                               ‫لإدراك الحقيقة هو تأملها‪.‬‬
  ‫خلال الأسباب الخارجية‪ .‬على‬          ‫يسلب العيش في الحياة وف ًقا‬
                                      ‫للطبيعة الإنسانية‪ ،‬ويضرب‬           ‫إذا انتقلنا إلى نقطة أخرى في‬
         ‫غوتاما بودا‬                                                      ‫العصر الحديث حول نفس‬
                                         ‫اسبينوزا مثا ًل على ذلك‪:‬‬
                                 ‫«الرجل المريض‪ ،‬من خشية الموت‪،‬‬       ‫المسألة نجد فيلسو ًفا كان يتطرق‬
                                                                        ‫دائ ًما لتحديد هذا التأمل؛ وهو‬
                                     ‫يأكل ما ينفره‪ ،‬بينما يستمتع‬          ‫اسبينوزا‪ ،‬الذي برغم تأثره‬
                                     ‫الرجل السليم بطعامه‪ ،‬وبهذه‬           ‫بفلاسفة الرواقية وكتابات‬
                                 ‫الطريقة يتمتع بالحياة أفضل مما‬
                                                                    ‫سينيكا الذين رأوا أن الحياة تأمل‬
                                      ‫لو كان يخشى الموت ويريد‬       ‫في الموت‪ ،‬اتخذ مسا ًرا مختل ًفا ج ًّدا‬
                                            ‫تجنبه بشكل دائم»(‪.)5‬‬
                                             ‫واسبينوزا في سبيل‬        ‫عن سقراط وغيره من الكتابات‬
                                               ‫تأمله الحياة فقط‪،‬‬      ‫الفلسفية القديمة‪ .‬فوجهة نظره‬
                                                                     ‫أن الطريقة الصحيحة والعقلانية‬
                                          ‫وفقط لا غير‪ ،‬يسلب من‬          ‫للتعامل مع الموت ‪-‬سواء كان‬
                                          ‫الإنسان ظاهرة من أهم‬
                                       ‫الظواهر الطبيعية للإنسان؛‬         ‫الموت غير الطبيعي أو الموت‬
                                         ‫الخوف‪« .‬فالحياة ليست‪،‬‬         ‫الطبيعي في حد ذاته‪ -‬هو عدم‬
                                         ‫دائ ًما‪ ،‬سلسلة من المباهج‬      ‫التفكير فيه على الإطلاق‪ ،‬فهو‬
                                        ‫والمسرات‪ ،‬بل هي سلسلة‬       ‫يرى أن‪« :‬الإنسان الحر‪ ،‬أي الذي‬
                                     ‫أي ًضا من المخاوف والمخاطر‪،‬‬    ‫يعيش وف ًقا لإملاء العقل وحده‪ ،‬لا‬
                                       ‫فإننا لنعلم أن علماء النفس‬   ‫يجب أن يقوده الخوف‪ ،‬بل يرغب‬
                                        ‫يضعون الخوف على رأس‬         ‫في الخير بشكل مباشر طالما يحيا‪،‬‬
                                         ‫قائمة الانفعالات الأصلية‬       ‫أي يعمل ويحيا ويحفظ كيانه‬
                                       ‫التي نلتقي بها لدى المولود‬      ‫من أساس السعي وراء حياته‬
                                       ‫الصغير‪ .‬وإذا كان الإنسان‬         ‫الخاصة‪ .‬ولذا فهو لا يجب أن‬
                                         ‫هو الموجود الذي لا يكاد‬    ‫يفكر في الموت على الإطلاق‪ .‬وبد ًل‬
                                       ‫يكف عن البحث عن الأمن‪،‬‬          ‫من ذلك‪ ،‬حكمته يجب أن تكون‬
                                     ‫فما ذلك إلا لأن حياته مهددة‬
                                          ‫في كل لحظة بالعديد من‬                  ‫تأم ًل في الحياة»(‪.)4‬‬
                                       ‫الأخطار‪ :‬أخطار تهدده من‬             ‫لأن الشخص الحر في نظر‬
                                       ‫الخارج من جانب الآخرين‪،‬‬         ‫اسبينوزا يسعى بطبيعته ومن‬
                                        ‫وأخطار تهدده من الداخل‬          ‫منطلق عقلانيته ومشاعره إلى‬
                                      ‫من ِقبل ذاته نفسها‪ .‬ومعنى‬          ‫الارتماء في أحضان الخير لا‬
   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290   291