Page 36 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 36

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪34‬‬

                                                      ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

         ‫يكن ليصل إليها‪ ،‬إلا بمساعدة ذلك المبدع‪.‬‬        ‫الإحالة في سياق ما‪ ،‬هي التي يعتمد عليها القارئ‬
     ‫والإحالة المقامية عند الشاعر محمد الشحات‪،‬‬            ‫في معرفة المقام‪ ،‬وهذا هو الدور الأساسي الذي‬
   ‫جاءت بإسناد المقام في السياق‪ ،‬إلى مفردة تنوب‬         ‫يعول عليها فيه‪ ،‬خاصة في الدرس النحوي‪ ،‬الذي‬
    ‫عن الذات في التعبير‪ ،‬وذلك بمفارقة تلك المفردة‬
‫لمعناها الذهني من خلال سياق بلاغي‪ ،‬يعيد تشكيل‬         ‫يحدد ألفا ًظا بعينها تقوم بهذا الدور‪ ،‬ولكننا نتجاوز‬
  ‫معناها عند المتلقي‪ ،‬الذي يقوم بدوره بالربط بين‬      ‫هذه الوظيفة باعتبار أنها آلية طبيعية‪ ،‬في المقام الذي‬
 ‫تلك المفردة في ثوبها الجديد‪ ،‬وبين الذات الشاعرة‪.‬‬     ‫نرغب من خلاله في توصيل رسالة متداولة‪ ،‬تندرج‬
      ‫تلك التي تستدرج ذلك المتلقي معها إلى بؤرة‬
    ‫شعورية واحدة‪ ،‬من خلال الانطلاق من المعنى‬            ‫تحت الرسائل التي يتعامل بها المحيط الاجتماعي‪،‬‬
 ‫الذهني‪ ،‬إلى المعنى الجديد‪ ،‬الذي تقوم عليه العملية‬      ‫في تواصل الأفراد فيما بينهم‪ ،‬في حياتهم اليومية‪،‬‬
   ‫الإبداعية‪ ،‬بجعل المحال إليه في مركز المعنى‪ ،‬من‬
  ‫خلال سياق استعاري قام المبدع بتشكيله؛ ليعبر‬              ‫وهي بالتالي موجودة في كل كلام‪ .‬فيصبح من‬
 ‫عن علاقته المختلفة بالموجودات من حوله‪ .‬وهو ما‬           ‫الضرورة أن نتجاوز ذلك المقام الطبيعي المعتاد‪،‬‬
  ‫يسمح بمساحة فضفاضة من التأويل‪ ،‬التي ربما‬              ‫حين نتعامل مع الإحالة المقامية في النص الأدبي‪،‬‬
  ‫تذهب بالمتلقي إلى وجهة تختلف عن الوجهة التي‬           ‫خاصة وأنها تؤدي وظيفة جمالية‪ ،‬تزيد من تأثير‬
  ‫أرادها المبدع‪ ،‬لكنها في النهاية تدور في فلكها‪ ،‬ولا‬  ‫النص‪ ،‬وتغيِّر من الوجهة المعنوية للسياق‪ ،‬لتتجاوز‬
     ‫تنفصل عنها تما ًما‪ .‬بما يعني أن النص يصبح‬        ‫الدور الوظيفي للغة الكلام‪ ،‬إلى المستوى الشعوري‪،‬‬
 ‫دائرة من المعاني التي تتحرك حول بؤرة شعورية‬             ‫الذي يرغب قائله في إثارة الغرائبية والدهشة في‬
    ‫واحدة‪ ،‬لكنها تضيق وتتسع تب ًعا لأفق المتلقي‪.‬‬      ‫ذهن المتلقي‪ ،‬بهدف زيادة انفعاله‪ ،‬من خلال تشكيل‬
  ‫وهو ما يعني نجاح النص في جعل المتلقي شري ًكا‬         ‫إحالات غير معتادة‪ ،‬تأخذ اللغة إلى مستوى رأسي‬
 ‫أساسيًّا في عملية إنتاج المعنى‪ ،‬كما يعني أن النص‬      ‫يعلو بها إلى آفاق جديدة‪ ،‬غير ذلك المستوى الأفقى‬
  ‫نجح في أن تكون له سيرورة‪ ،‬تبقى ببقاء معاني‬           ‫الممتد أمام أي أحد‪ ،‬وهذا البناء الجديد الذي يرتفع‬
‫النص مفتوحة لكل تأويل؛ حيث يبقى مقام الإنشاد‬            ‫باللغة‪ ،‬هو ذاته البناء الذي يجعل من المبدع كيا ًنا‬
‫صال ًحا للقياس عليه في المقامات المشابهة له‪ ،‬خارج‬      ‫بار ًزا في محيطه الاجتماعي‪ ،‬حين يقف على ما قام‬
 ‫المرحلة الزمنية التي قام فيها المبدع بإنشاء النص‪.‬‬     ‫هو بنفسه برفعه‪ .‬لكنه يترك للمتلقي الوسائل التي‬
     ‫وتنقسم الإحالات في شعر محمد الشحات إلى‬               ‫تشده إلى المرتفع ذاته‪ ،‬فيشاركه الحالة التي هو‬
                                                         ‫عليها‪ ،‬دون أن ينازعه في تفرده الذي وصل إليه‪،‬‬
            ‫قسمين‪:‬‬                                     ‫بنظرته الثاقبة إلى الأشياء من حوله‪ .‬حيث قام من‬
  ‫إحالة داخلية‪ :‬وهي‬                                       ‫خلال هذه النظرة بوضع مسمياتها في سياقات‬
                                                        ‫جديدة‪ ،‬أخذت بيد القارئ إلى مناطق شعورية‪ ،‬لم‬
    ‫بإحالة الذات إلى‬
 ‫أجزائها المكونة لها‪.‬‬

      ‫إحالة خارجية‪:‬‬
  ‫بإحالة الذات إلى ما‬

          ‫يحيط بها‪.‬‬

 ‫أولا‪ :‬الإحالة‬
‫الداخلية للمقام‬

 ‫وفي هذا النوع يقوم‬
 ‫الشاعر بإحالة مقام‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41