Page 97 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 97
95 إبداع ومبدعون
قصــة
في القيالة بس” ،وانصرف غاضبًا. والحكايات المشبعة بالتوابل،
درت حول منزله سبع دورات حافيًا في عز الحر؛ تطرز وحشة الليل بنعناع
الكلام ،عيونها أشبه بعيون
ليصالحني أو يعاركني ،وعندما جحرت ساقي، ذئبة تفتقد صغارها دو ًما.
وصرخت متأو ًها؛ خرج عار ًجا مشف ًقا“ :ليه يا سمعت أنها انش َّقت عن
حبيبي سبعة لفات؟ هو سبوع أمك؟!”. المتمردين الذين انضمت إليهم
اقترب الموكب من الجبَّانة ،أرى هناك أمي معلقة بعدما اشتد بها الغض ُب على
في الهواء فوق «التربة» بحوالي 3أمتار بطرحتها حبيبها «بالا كوابينا» حينما
البيضاء التي اعتادت ل َّفها على رأسها بعد عودتها انقطعت رسائله إليها ،واستمرت
من الحج ،وبجوارها جدي بقامته الفارعة ونظرته
بإرسال رسائل الحب ،ثم الشوق،
الصلبة ،وعمي أحمد برأسه الصغيرة وجسده فالغضب ،ثم الوعيد ،فقررت بد ًل
الضخم المحاط بعباءة صوفية فاخرة ،ورجل ربعة من شحذ الرسائل شحذ السلاح،
والسير مع المقاتلين ،لتأديب قبيلته،
ينظر إل َّي بترقب ،ماس ًكا يد أمي ،قد يكون أبي.
لا أستطيع تمييز ملامحه جي ًدا؛ فلم أره قط ،لكنهم إلا أن الوصول هزمها ،حينما
وجدت أن مكتب بريد بلدته سكنته
جمي ًعا عابسو الوجوه.
بالله لن أحتمل توبيخكم. الغربان بعد قصفه ،ولم تعرف
تعاتبني أمي“ :روحت وقولت عدوا لي يا وله ..ما لأي جماعة مسلحة انض َّم «كوابينا».
صدقت دفنت أمك ،وما بتيجي تزورها!”. فزعت حينما وضعت يدها على كتفي
يط ِّوح جدي رأسه ،وبنفس النظرة النارية ،والنبرات
للمرة الأولى:
الحازمة: الليل ليس ودو ًدا يا عزيزي؛
“لفيت الدنيا ،ش َّرقت وغ َّربت ورجعت.”.. فهو يزيد بقع العتمة في روحك
حتى أبي الذي لم أعرف؛ الناي يرق لاحتضان إن كنت وحي ًدا ،لا تهرب من
خرائبك بالصمت؛ افعل دائ ًما
ثقوبه التي تحن لجذوعه الخاوية:
“تعال يا ولدي.”.. شيئًا صائبًا.
استفهم ُت :وما هو؟!
حاول ُت التملص من الجميع ،وف َّك أطرافي المربوطة قالت :ساعد الناس بالمسح على
بعناية ..فلم أستطع! أوجاعهم ..وساعد نفسك بالرقص ،وألا
لا أريد أن أُس َجن في جحر مظلم تحت الأرضُ ،ت َس ُّد تكون وحي ًدا.
منافذه بأسمنت أسود. نزعني من أفكاري نحي ُب «بحر الزين» الذي
يقبض على ذراع «مرقص» بنفس الوجه الطفولي،
قال لي مرقص منذ خمسين عا ًما أنني كـ مسيح؛ وإن تع َّدى الستين عا ًما ،ونظرة مقدودة من أرغفة
والمسيح لم يدفن! الرحمة ،جسده يرتج في الجلابية البيضاء ،بخطوة
بها عر ٌج طفي ٌف من كسر قديم في ساقه ،الذي مدها
أتملص من الركب؛ فيهت ُّز النعش ،واهتزازه يستف ُّز أمامي يو ًما قائ ًل“ :جبسها لي ..ولا هتعمل عليَّ
حماسة الركب.
دكتور وتطلب كشف الأول؟!”.
صاح رجل ك ُمخلص“ :الله أكبر ..صاحب الكرامة أجبته :أني دكتور عليه وعلى «اللي يتشدد له» لكني
عاوز يتدفن جنب سيدنا غرب النيل!”.
متخصص (طب مناطق حارة).
تعالت التكبيرات ،صاح َبتها زغاريد عبَّاسة التى أحم َّر كعربة إطفاء (سرينتها مجلجلة)“ :انت بتتريأ
تشبه صرخة محاربة أمازيغية. عليَّ ..يعني مش هتكشف عليَّ إلا في الصيف ويمكن
نعم ..نعم أنا كصاحب الكرامة أريد الدفن بجوار
النيل «دفنة ترد الروح»!