Page 181 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 181
179 الملف الثقـافي
الموجودة دائ ًما ،فهناك عين الإنسان الذي يهمه أمر دنيا الضوابط أو القيود على
أخرى لا تقتنع إلا بأن «تبدي الغد أو بعد الغد ،كما يتوقع نوع التفكير الذي استخدمه
أن تكون ،أو كما يحبها هو
المساوئ»(.)6 أن تكون ،ينبغي تب ًعا لذلك أينشتين من أجل تطبيقه
كان هذا التوافق والانسجام في مجال الفيزياء ،وقد فعل
هو الذي دعانا إلى تصديق أن يضع الخيال في الكفة
نيوتن وقوانينه ،تلك القوانين الراجحة من ميزانه ،وهذه ذلك نيلزبور ،ثم التفكير
قضية لا يجرؤ كثيرون من بالصور التي تستحث
التي لم تكن استنتا ًجا عن الناظرين في المستقبل على
تجربة بالمعنى الصحيح، التكهن بها؛ وذلك لأن الخيال بوساطة رياضيات العناصر
فكان نجاحها لا لأنها تتبع ما زال في نظرهم موضع الذرية الفرعية كما فعل
العالم المادي ،ولكنها تحدث ريبة وشك كما أنه مناف هایزنبرج(.)3
عن عالم يماثل في الأساس للمنطق إذ لا يعتمد عليه،
عالمنا ،وكان هذا النجاح كذلك وليس من المستطاع فهمه، النظرية العلمية ما لم يمكن
هو الذي وهبنا ثقتنا بأصل ولذا فلا مكان له عند التكهن التحقق منها في المعمل تصبح
النظرية ،جزيئات دقيقة
يخضع كل منها للقوانين المبني على العقل ،إلا إذا موض ًعا للتشكك ،ومن ثم
التي بنى عليها نيوتن فكرته، روضنا الخيال كما نروض يمكن التخلي عنها وهجرها،
هذا الفرض الأولي ،بل هذا النمر وحملناه على الوثوب
الإيمان بالجزيء الدقيق، حتى ينفذ من الأطواق ،أو وهذا ما حدث عبر تاريخ
كان له من النتائج المهمة في وضعناه کالوقود في خزان العلم ،وعبر نظرية النسبية
تكييف وسائلنا وفلسفتنا السيارة حتى لا تكف آلتها وتاريخها ،وأي ًضا حدث هذا
لما وراء الطبيعة منذ ذلك مع نظرية لورينتز -أينشتين
عن الدوران(.)5 عندما تناقضت مع بيانات
الحين(.)7 لكن الخيال ما لم يخضع
كان فارادی واح ًدا من لنظام خاص كما يحذرنا كوفمان ،فبينما أصيب
أعظم العلماء في عصره ،بل بفردج فإنه قد يكون زاخ ًرا كوفمان بالذعر ،فإن أينشتين
ربما في كل العصور ،وقد بالأخطار ،فالخيال الخصب
كان أسلوب تفكيره أشبه الخلاق لا بد له أي ًضا من استمر في تجاربه من أجل
بالشعراء منه بالعلماء ،وكما قوة أخرى تحدث التوازن الوصول إلى التعميم لنظريته
هي الحال في الشعر الجيد، معه ،ألا وهي قوة النقد
فإن الصورة الاستعارية والحكم والتحليل ،وهذا أمر حول النسبية(.)4
البسيطة تشرق وتنير مختلف تما ًما بطبيعة الحال إن ملكة الخيال هذه التي
بطريقة جديدة عد ًدا كبي ًرا من ينعم بها الإنسان لها قوتها
الحقائق غير المترابطة ظاهر ًّيا عن أن نقول إن الخيال التي جعلت الإنسان وقد
أو سطحيًّا ،وقد استخدم يحتاج إلى القيود والقمع حفزته ثمار طاقاته الخلاقة،
فارادي دائ ًما داخل المعمل والكبت ،فالخيال يحتاج إلى يبدأ في تغيير موقفه حيال
أو خارجه خياله البصري تجسيد ،وإبطاء خاص لحركة التسليم بمصير محتوم ،فلم
القوی کی يمزج بين الخبرة رفرفة أجنحته الطليقة ،فهو تعد القوي الغيبية النائبة
الواقعية والتجربة المعملية، لا بد له في النهاية من أن عن الناس سلطان على حياة
ويشكل من ذلك كله نماذج يهبط على الأرض وينظر إليه، هذا الجيل أو الأجيال المقبلة
أصيلة للواقع في عقله ،في ولن تكون «عين الرضا» التي
هي «عن كل عيب كليلة» هي كذلك ،وبالمثل انقضی
سلطان قوانين التاريخ
وتقلبات الحظ وأهواؤه ،وإنما
يتحكم في هذه الحياة رؤى
الإنسان نفسه التي تتراءى
أمامه ..وسواء أكان رضيًا أم
لا فإن المستقبل يبدأ في ذهن