Page 190 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 190

‫العـدد ‪38‬‬          ‫‪188‬‬

                                                             ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬  ‫دراستها من جديد لاكتشاف‬
                                                                          ‫قوانينها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وذلك يفسر‬
    ‫كانت الفيزياء الحديثة‬        ‫قيمتها في العلم؟ لا يكون‬
  ‫قد أوغلت في الموضوعية‬         ‫الجواب سوى أن المصادفة‬                      ‫ما بالكون من تنوع وتباين‬
‫واشتد اقترابها من الوقائع‬                                                            ‫وجدة وتطور(‪.)37‬‬
                                     ‫التي تواجه العلماء في‬
       ‫الخارجية وازدادت‬           ‫دراستهم للطبيعة ليست‬                         ‫يبدو أن المصادفة نهاية‬
      ‫ملامستها لها‪ ،‬فذلك‬       ‫ح ًّدا لعجزهم‪ ،‬وليست كلمة‬                        ‫لعصر كانت تسود فيه‬
  ‫لأنها تتخذ من المصادفة‬        ‫يخفون بها جهلهم ‪-‬بحيث‬                         ‫التصورات السيكولوجية‬
   ‫موضوعها ومن حساب‬             ‫يحملون عليها ما يعجزون‬                     ‫والاجتماعية جوانب متعددة‬
  ‫الاحتمالات منهجها‪ .‬كما‬           ‫عن تعليله‪ -‬ولا إسقا ًطا‬                 ‫من البناء الفيزيائي النظري‪،‬‬
  ‫يرى المتحمسون لعنصر‬             ‫نفسيًّا لإرادتهم النفسية‪،‬‬                    ‫وبداية عصر جدید من‬
                                ‫كما أنها ليست برها ًنا على‬                  ‫الموضوعية الخالصة تما ًما‬
               ‫المصادفة‪.‬‬       ‫قصور أجهزتهم العلمية(‪.)41‬‬                        ‫من سيطرة الأسطورة‬
   ‫إلى كل هذا الحد تصبح‬                                                        ‫واللاهوت والانعكاسات‬
                                     ‫ولا تعني عجز العقل‬                   ‫النفسية والاجتماعية والمثالية‬
      ‫المصادفة ‪-‬بوصفها‬          ‫الإنساني عن السيطرة على‬                    ‫الذهنية‪ ،‬فإذا كانت القوانين‬
      ‫تصو ًرا موضوعيًّا‪-‬‬                                                    ‫الميكانيكية التقليدية تحدي ًدا‬
   ‫أداة ثورية لفهم طبيعة‬          ‫الواقع الخارجي سيطرة‬                      ‫إنسانيًّا للطبيعة الخارجية‪،‬‬
‫النظرية العلمية وصياغتها‬        ‫نظرية وعملية على السواء‪،‬‬                      ‫فإن القوانين الإحصائية‬
    ‫وتطويرها‪ ،‬فلا ينبغي‬                                                      ‫تعد تحدي ًدا فيزيائيًّا للعقل‬
 ‫المرور عليها مرو ًرا عاب ًرا‬      ‫بل على العكس من ذلك‪،‬‬
    ‫دون الإشارة إلى هذه‬          ‫فالعقل الإنساني يستطيع‬                                  ‫الإنساني(‪.)38‬‬
 ‫الوظيفة‪ ،‬والتي لا تخالف‬                                                           ‫إن قوانين المصادفة‬
     ‫المنطق‪ ،‬بل إنها تسير‬           ‫خلال معرفته بقوانين‬                      ‫ونظرياتها قد تبدو للوهلة‬
‫وفق ما يقتضيه‪ ،‬وإن كان‬          ‫المصادفة وصياغته لها أن‬                     ‫الأولى على أنها لا رابط لها‪،‬‬
   ‫المنطق الفطري السليم‪،‬‬                                                  ‫ولكن يمكن وضعها في شكل‬
  ‫أي أن العالم لا يرتب لها‬                ‫يحقق سيطرته‪.‬‬                      ‫قاطع كقوانين السببية(‪.)39‬‬
‫استنباطات بعينها يستنبط‬                 ‫نعود إلى التصور‬                         ‫بل إن القوانين السيبية‬
  ‫منها قوانين المصادفة أو‬           ‫الموضوعي للمصادفة‪،‬‬                         ‫ما هي إلا تجمعات هذه‬
    ‫نظرياتها‪ ،‬بل هي تأتي‬          ‫حيث لا يقف عند تفسير‬                        ‫القوانين‪ ،‬ويرجع النجاح‬
    ‫أو ًل‪ ،‬ثم بعد ذلك يقوم‬       ‫الواقع تفسی ًرا خاليًا من‬                       ‫الذي صادفته إلى أنها‬
 ‫العالم بتفسير ما تتضمنه‬         ‫الظلال اللاهوتية والغائية‬                ‫تقریبات لتلك الحالات؛ حيث‬
  ‫من وقائع علمية وتأويله‬            ‫والميكانيكية‪ ،‬بل هو في‬                  ‫تضافرت قوانين المصادفة‬
    ‫وفق قواعد المنطق(‪.)43‬‬      ‫الوقت نفسه أساس لتحديد‬                         ‫لتعطي احتمالات واسعة‪،‬‬
                                   ‫المفهومات والتصورات‬                         ‫فهی ‪-‬قوانين ونظريات‬
    ‫‪ -4‬البساطة‬                   ‫الخاصة بالنظرية العلمية‪،‬‬                 ‫المصادفة‪ -‬أقل شيو ًعا ولكنها‬
     ‫والجمال‬                         ‫ولهذا فله ‪-‬إلى جانب‬                      ‫صارمة(‪ .)40‬يعني هذا أن‬
                                     ‫أهميته الموضوعية في‬                    ‫قوانين المصادفة تجمع بين‬
      ‫البسيط في اصطلاح‬         ‫الاستبصار بالواقع‪ ،-‬أهمية‬                  ‫مبدأ المصادفة ومبدأ السببية‪.‬‬
  ‫الفلاسفة الشيء الذي لا‬           ‫منهجية في فهم النظرية‬                       ‫لكن هل عدم شیوعها‬
‫جزء له‪ ،‬كالوحدة والنقطة‬              ‫العلمية وتعميقها(‪.)42‬‬                 ‫يعني أنها أمر شاذ يقلل من‬
   ‫ويقابله لفظ المركب(‪.)44‬‬         ‫ولذا‪ ،‬فقد استطاع العلم‬
‫ويهمنا هنا تحديد مصطلح‬               ‫أن يدخل المصادفة في‬
                                  ‫حججه وأحكامه‪ ،‬بعد أن‬
                                  ‫أيدت النظرة الموضوعية‬
                                 ‫وابتعدت عن الذاتية‪ ،‬فإذا‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195