Page 77 - مجلة ثقافة قانونية عدد المؤتمر
P. 77
أولا :مقدمة
تقدم خدمات وتطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية الذكية بشكل عام فوائد اقتصادية
واجتماعية عديدة لكل قطاعات الدولة كالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصحة والتعليم والخدمات
والمرافق العامة والخدمات المالية والمصرفية ،وقطاعات النقل والمواصلات وغيرها .ولهذا فهناك اتجاه
سائد لدى الحكومات دوليا لتنفيذ برامج التحول الرقمي والاعتماد على البيانات والأنظمة التحليلية المتقدمة
لاتخاذ القرار ،بالإضافة إلى الاعتماد على التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات لإدارة منظومات
المرافق العامة والخدمات ،وذلك لتوفير أفضل الخدمات للمواطنين ولحسن إدارة الموارد.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تناميًا هائلًا في استخدام البرمجيات والأنظمة الذكية في مختلف الأجهزة
والمعدات ،وقد أدى هذا المشهد العام إلى تنامي المخاطر المرتبطة باستخدامات التكنولوجيا ،ولا سيما تلك
التي قد تؤثر على أمن وسلامة أنظمة تشغيل الخدمات في كل القطاعات والمرافق الحيوية ،كما أدى إلى
ظهور أنواع جديدة من التحديات المتعلقة بتنظيم السوق لجميع الخدمات ،بالإضافة إلى تحديات متعلقة
بحماية المنافسة الحرة وتأمين البيانات وحماية البيانات والمعلومات الشخصية ومكافحة الشائعات وضمان
حقوق الملكية الفكرية وغيرها من القضايا المتعلقة بالاقتصاد والتجارة والحقوق المدنية والاجتماعية
للأفراد ،إلى جانب التحديات القانونية غير المسبوقة والخاصة بمساءلة مط ّوري هذه التقنيات و ُمصنّعيها
عند حدوث أضرار لا قدر الله.
بينما تسهم التقنيات الذكية في تحسين جميع الخدمات العامة والخاصة ،وترفع من كفاءة تشغيل الأنظمة
والعمليات ،إلا أنه قد يؤدي أي تقصير في واجب العناية الواجبة في أثناء تصميمها أو تصنيعها إلى
أضرار جسيمة مادية أو معنوية.
وفي هذا الإطار ،فإن المفاهيم التقليدية لحدود المسؤولية من الناحية القانونية يجب أن تواكب سرعة التقدم
التقني ،فمن الصعب في العديد من الأحيان إسناد المسؤولية القانونية لمط ّوري التقنية ذاتها؛ حيث غالبًا ما
يتح ّمل الإنسان المشغّل لتلك التقنية القسط الأكبر من المسؤولية .ولتقديم مثال على ذلك ،ففي حالة حادث
سيارة ذاتية القيادة ،يثار عادة الجدل حول من يُسأل قانونًا عند وفاة أحد المشاة في حوادث التصادم– هل
هي الشركة المط ّورة للنظام الذكي أم السائق المشرف على المركبة؟ هذه الإشكالات وغيرها ،أظهرت
الحاجة إلى معالجة تنظيمية شاملة لخدمات وتطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي تأخذ في الاعتبار
الجوانب المرتبطة بمتطلبات إثبات الإهمال والعناية الواجبة والضرر من منظور فني قانوني شامل يأخذ
في الحسبان التطورات التنظيمية على الساحة الدولية والمحددات الفنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ولهذا فيعكف حاليا الخبراء في جميع أنحاء العالم على وضع الأطر التشريعية والتنظيمية الملائمة
لحوكمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في كل المجالات ،وقد اتجهت الدول إلى اتجاهات تنظيمية مختلفة
لحوكمة الذكاء الاصطناعي طبقا لأولوياتها ،وفي ضوء المحددات القانونية الموجودة بها.
تهدف تلك الدراسة إلى إلقاء الضوء على الاتجاهات الدولية الرئيسية لتنظيم وحوكمة خدمات وتطبيقات
وأنظمة الذكاء الاصطناعي ،وذلك من أجل استخلاص التجارب المفيدة وتجنب أوجه القصور والخروج
بتوصيات ملائمة للوضع المصري في ضوء ما تشهده جمهورية مصر العربية من تحديات ،وقد تم
اختيار كل من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية في عينة
الدراسة لما لتلك الدول من تأثير في تشكيل الصناعة الدولية ،بالإضافة إلى وجود ارتباطات اقتصادية
وتجارية تربطهم مع الدولة المصرية.
ثانيا :الاتجاهات الدولية لتنظيم منظومات الذكاء الاصطناعي
انتهجت الدول أساليب متنوعة في عمليات تنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها والخدمات القائمة
عليها ،ولا يزال المجتمع الدولي يبحث في أفضل الآليات القانونية والتنظيمية الملائمة لطبيعة الخدمات
مجلة ثقافة قانونية -عدد خاص بمؤتمر القانون والذكاء الاصطناعي | 77Page