Page 29 - merit 39 feb 2022
P. 29

‫‪27‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                    ‫ليكن هذا الوجود كله لك(‪.)8‬‬       ‫الماضي الذين التفتوا إلى ذواتهم التفا ًتا ظاه ًرا‪،‬‬
   ‫فماذا يفعل الإنسان وهو يبحث عن نفسه‪ ،‬إلا‬          ‫وحولوها من سياق لتوصيل الدلالة إلى سياق‬
  ‫أن يتذكر الثوابت التي دأب على يقينها‪ ،‬فهو في‬
‫حالة قيمة مطلقة في مقابل الحالات النسبية التي‬                     ‫لتأصيل الدلالة داخلها‪ ،‬فجعلوها‪:‬‬
 ‫تتحكم في الواقع‪ ،‬وهنا تتحول الذات من صورة‬                                 ‫‪ -‬محور العالم ورؤيته‪.‬‬
   ‫مرادفة تمثل المعادل النفسي للراوي إلى الذات‬
    ‫نفسها في حالة انفصال عن الوجود الأصلي‪،‬‬                      ‫‪ -‬محور الحركة وزمانها ومكانها‪.‬‬
‫ويصبح الآخر صورة ثالثة مطابقة للذات الأولى‪،‬‬                                ‫‪ -‬محور الوعي بالآخر‪.‬‬
    ‫وتمثل المفردات الأخرى سواء كانت مفردات‬
‫تتصل بواقع هذه الذات أم مفردات تتصل بالقيم‬             ‫ولذلك صارت الأنا جز ًءا ‪-‬إلى حد كبير‪ -‬من‬
  ‫المطلقة التي يقوم الوجود بعكس صورتها‪ ،‬فلا‬          ‫مكونات الكون‪ ،‬فهي مرادف عندهم للكثير من‬
  ‫يجد الراوي سوى مرادفات الحياة الأبدية‪ :‬من‬        ‫الظواهر والمفردات الحية‪ ،‬فنراها مع الموج والغيم‬

     ‫النور نفسه‪ ،‬ومن البحر الواثق‪ ،‬ومن شجر‬               ‫والشمس‪ ،‬ونراها أحيا ًنا صورة من صور‬
      ‫الحياة‪ ،‬ومن نبع الماء‪ .‬إنها صورة ثابتة في‬     ‫مفردات الأيديولوجيا‪ ،‬ونجدها مرادفة للحقيقة‪،‬‬
   ‫مقابل الصورة المتحولة ممثلة في العدم‪ .‬وهي‬
‫صورة تمثل الحياة في بكارتها‪ ،‬بعي ًدا عن الحركة‬                           ‫والوجود‪ ،‬والألم‪ ،‬واليقظة‪.‬‬
    ‫الدرامية‪ ،‬وهذا يعني أن الشاعر يقدم الكيان‬          ‫كذلك تظهر مرادفة للضمائر الأخرى‪ ،‬فنراها‬
 ‫الذي يريده في صورة ثابتة تمثل روح الإنسان‬           ‫صورة من صور الآخر‪ ،‬أو في حقائق الوجود‪.‬‬
 ‫المعاصر‪ .‬وفي كل صورة من الصور التي قدمها‬             ‫إن الشاعر يح ِّول الأنا إلى غاية‪ ،‬فهو في غايته‬
  ‫تخلو اللغة من درامية الحياة المعيشة إلى رؤية‬        ‫يريد أن يوجد‪ ،‬وأحيا ًنا يكون هذا الوجود هو‬
                                                    ‫صورة مرادفة للغياب‪ ،‬لأن الإلحاح على الوجود‬
             ‫أسلوبية‪ ،‬تخلو منها اللغة العادية(‪)9‬‬        ‫نوع من الفقد في الواقع‪ ،‬فقد الروح في حالة‬

                   ‫الهوامش‪:‬‬                              ‫الانهزام‪ ،‬فقد الوجود في حالة انعدام روح‬
                                                      ‫الإنسان‪ ،‬فقد العدالة‪ ،‬فقد الحياة الكريمة‪ ،‬وفي‬
  ‫‪ -1‬د‪.‬حامد أبو أحمد‪ ،‬الخطاب والقارئ‪ ،‬نظريات‬
   ‫التلقي وتحليل الخطاب وما بعد الحداثة‪ ،‬النسر‬          ‫الصورة الشعرية يلجأ الراوي إلى أن يلعب‬
                                                    ‫بالضمائر الدالة على الوجود من خلال المراوحة‬
        ‫الذهبي للطباعة والنشر‪ ،2002 ،‬ص‪.150‬‬
‫‪ -2‬محمد آدم‪ :‬حجر وماس‪ ،‬الهيئة العامة المصرية‬                  ‫بينها‪ ،‬وهو لا يريد إلا أن يكون فقط‪.‬‬
                                                                                     ‫يقول الشاعر‪:‬‬
                     ‫للكتاب‪ ،2002 ،‬ص‪.34 ،33‬‬                                                 ‫لنتقدم‬
                       ‫‪ -3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.36‬‬                                          ‫أنا وأنت ببطء‬

  ‫‪ -4‬د‪.‬عبد السلام المسدى‪ :‬الأسلوبية والأسلوب‪،‬‬                                  ‫نحو رغباتنا الأكيدة‬
                 ‫الدار العربية للكتاب ط‪ ،3‬ص‪.36‬‬                                   ‫نحو نقائنا الأكمل‬
                                                                               ‫ما من شيء يخيفنا‬
          ‫‪ -5‬المصدر السابق‪ ،‬محمد آدم‪ ،‬ص‪.72‬‬
                       ‫‪ -6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.77‬‬         ‫ما من شيء يجعلنا أكثر إنسانية أكثر مما نحن‬
                       ‫‪ -7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.141‬‬                                                   ‫فيه‬
                      ‫‪ -8‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.184‬‬
                                                                                            ‫لا أمل‬
‫‪ -9‬د‪.‬حمادة إبراهيم‪ :‬اللغة الدرامية‪ ،‬المجلس الأعلي‬                                         ‫ولا يأس‬
                        ‫للثقافة‪ ،2005 ،‬ص‪.231‬‬                               ‫نحن أبقى من أي شيء‬
                                                                                   ‫ومن كل شيء‪،‬‬
                                                                                   ‫من النور نفسه‬
                                                                                 ‫ومن البحر الواثق‬
                                                                        ‫من شجرة الحياة الصاهلة‬
                                                                                      ‫ومن نبع ماء‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34