Page 248 - merit 50
P. 248
الأيديولوجي وعلاقته بالذات هذا الجسد هو المتحدث عن مخيون
المقنَّعة. الذي لا ينطق ،كان في نفس الوقت
قوة مخيون أظهرت في تلك مثيًرا لعنف الآخرين نحوه ومحط
المواجهة قيم الفحولة ،كنسق الرغبة والاعتداء ،وقد يستباح هذا
ثقافي مقابل شخصيته الإنسانية الجسد فقط لكون صاحبه مختلف
الرقيقية ،لدرجة أنه لا يأكل عن الآخرين "ابن الأفاعي أهطل لا
لحوم الحيوانات ،التي كانت ملة له ولا أهل ،مثله مثل الجدار الذي
بالنسبة له عو ًضا عن البشر، يستند إليه"( .ص )15وهو ما حدث
وعو ًضا عن أقرب الناس له مع مخيون حين حاول بعض شباب
وهو الأب ،الذي رفضه منذ القرية الاعتداء عليه ،ومحاولة مجاهد
صغره بسبب عاهته. الجزار التحرش به.
ويبرز الجسد ،بوصفه أول
عنص ٍر يدخل في اشتبا ٍك مع فالنص لم يحاكم ،بل وضعنا لقد أدت اللغة في السرد دو ًرا
الواقع و َيعمل على تفكيكه ،حين عراة أمام قضية عمى عنها كبي ًرا في تعرية النفس البشرية،
استخدم الخطاب السردي
الجسد كقيمة فنية ،بل شكل الكثير ،وهي الحب والإنسانية، ومن أول كلمة تط ُّل عينا
منه ن ًّصا ثقافيًّا قائ ًما بذاته، قضية الجوهر لا المظهر، مخيون لتكشف قسوة الحياة،
تعتمل فيه الحياة بكل تفاصيلها الجوهر الذي استحضره بل كانت عيناه بوابة الدخول
ونوازعها ،وهنا يعاد للجسد
اعتباره وتحريره في أفق خطاب أهل القرية بعد موت مخيون، التي يلج منها القارئ لعالم
مستنير ،بعد أن كان ينظر فجعلوا منه وليًّا من أولياء الله. القرية ،وما سيجري فيها من
للجسد في السرديات التقليدية أحداث« ،عينان خابيتان وكأن
من فلسفة وفكر جانبًا مظل ًما (هي عصاي) عنوان يحمل ستا ًرا من الأتربة تغلغل داخل
دلالاته الظاهرة والباطنة، البؤبؤين ،فلونهما بلون الطين
للوجود الإنساني ،وكان الجاف ،لا يختلف كثي ًرا عن لون
مرتب ًطا بالخطيئة ،والشرور. وربما كان التعبير الظاهر عن الجلباب المهترئ الذي يرتديه،
فالتماهي مع الواقع تأتى من معنى العصا في تلك المواجهة
خلال عنصر الجسد ،بوصفه التي حدثت بين العمدة جلال حركة البؤبوئين مضطربة،
أول عنص ٍر يدخل في اشتبا ٍك ومخيون في مبارزة العصي، تخطان على كل عابر»( .ص)7
مع الواقع ليعمل على تفكيكه.
وللجسد «معا ٍن ودلالات أكثر حيث أظهرت القوة البدنية بهذه اللغة الشعرية يتفجر
شمو ًل من كونه «جن ًسا» .كما لمخيون ،عكس ما كان أهل المعنى ،فهي توحي ولا تصرح
جاء في تعريف رسول محمد القرية يرونه في شخص مثله، بالقسوة والجحود الذي جبل
رسول في كتابه (الجسد في عصا تدرك من خلالها الأبعاد عليه أغلب المحيطين بمخيون.
الرواية الإماراتية) ،فالجسد اللاشعورية ،ورؤية المضمر
«كينونة رمزية إيحائية وإشارية
وعلاماتية وأيقونية ،تضاف
إلى الأجسام من خلال تمثيل
الإنسان لها» ،أو أنه قيمة
مضافة إلى واقع الأجسام.