Page 122 - merit 38 feb 2022
P. 122

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪120‬‬

                                                               ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

     ‫الجميلة كما تفعلين دو ًما‪ .‬تعالي س ُأملي عليك ماذا‬        ‫لإخوتي‪ ،‬مرو ًرا بالقصص الإسلامية التي كانت تصلنا‬
       ‫تكتبين‪ ،‬خ ُّطك أجمل من خ ِّطي‪ ،‬وتتقنين صوغ‬                   ‫كهدايا من المعلِّمات في المدرسة‪ ،‬أو القصص التي‬

    ‫العبارات‪ .‬ث َّم أضافت ساخرة‪ :‬فوائد كتب الحقيبة!‬              ‫كنت أستعيرها من بيت صديق والدي‪ ،‬أو من مكتبة‬
   ‫وعيت في السادسة عشرة من عمري أنني أستطيع‬                     ‫المدرسة‪ .‬ولك َّن هدي ًة جميلة حلَّت في منزلنا‪ ،‬جعلت من‬
   ‫أن أح ِّول ك َّل تلك الحكايات التي تدور في رأسي إلى‬          ‫أيامي مل َّونة بتفاصيل مدهشة‪ ،‬حين حمل زوج عمتي‬
   ‫قصص جميلة كتلك التي قرأتها‪ ،‬وأنني أستطيع أن‬                 ‫حقيب ًة كبيرة ممتلئة بالكتب إلى بيتنا‪ ،‬وقال لأبي‪« :‬هذه‬
‫أقول فيها ك َّل ما لم أستطع قوله بال َّرسم‪ ،‬وأنني أمتلك‬         ‫للأولاد»‪ .‬حينها رحنا نتع َّرف إلى الكتب‪ ،‬وننتقي منها‬
 ‫لغة جيدة‪ ،‬ومخزو ًنا معرفيًّا لا بأس به‪ ،‬فكتب الحقيبة‬
   ‫تشهد لي‪ ،‬بل إنني مدينة لأوراقها الصفراء بالكثير‪.‬‬                ‫ما يه ُّمنا‪ ،‬قلت لإخوتي‪« :‬سأقرؤها كلَّها»‪ ،‬سخروا‬
  ‫اشتريت بمصروفي الذي كنت أ َّدخره منذ سنة دفت ًرا‬                                   ‫مني‪ ،‬وقالوا‪ :‬كم أنت م َّدعية!‬
    ‫بأورا ٍق مل َّونة‪ ،‬أقلا ًما جميلة‪ ،‬وألوا ًنا غير تلك التي‬
   ‫يشتريها لنا والدي ك َّل عام‪ ،‬والتي كنت أسرقها من‬            ‫وبدأت بالقراءة‪ ،‬كان العمل الأول الذي قرأته هو رواية‬
‫إخوتي هي ودفاتر الرسم‪ ،‬لأرسم ما يحلو لي‪ .‬في ذلك‬                   ‫(البؤساء) لفيكتور هوجو‪ ،‬الرواية بأجزائها الثلاثة‬
‫العام‪ ،‬تركت لهم دفاترهم وألوانهم‪ ،‬وانشغلت بدفتري‬                    ‫أخذت مني أسبو ًعا واح ًدا‪ ،‬أنا ابنة الثانية عشرة‪،‬‬

                        ‫الجديد‪ ،‬وتجربتي الجديدة‪.‬‬                ‫عشت مع جان فالجان تفاصيل البؤس كلِّها‪ ،‬تعاطفت‬
   ‫أ َّول قصة كتبتها كانت عن القزم فرفور‪ ،‬ذلك الذي‬               ‫معه‪ ،‬وبكيت من أجله‪ ،‬ورحت أصوغ في خيالي لعالمه‬
                                                               ‫احتمالات تتلاقى في أحيان كثيرة مع ما كتبه الروائي‪،‬‬
      ‫رافقني عندما كنت صغيرة‪ ،‬كانت الق َّصة عبارة‬                ‫أراه في نومي‪ ،‬أجالسه حين تنقطع الكهرباء‪ ،‬وأتخيَّل‬
   ‫عن رسالة َأرسلها لي من الصين‪ ،‬يخبرني فيها أ َّنه‬            ‫كفيه الكبيرين الحانيين‪ ،‬وعلاقته بـ»كوزيت»‪ ،‬ونهايته‬
 ‫تز َّوج و َك َّون أسرته‪ ،‬وأ َّنه يستع ُّد مع عائلته لزيارتي‪،‬‬  ‫التي جعلتني أبكي لأيام‪ ،‬كنت قد وعدته بأنني سأجعل‬
  ‫عندما قرأت الق َّصة لج َّدتي قالت‪ :‬هؤلاء قوم يأجوج‬             ‫له نهاية أخرى‪ ،‬نهاية سعيدة‪ ،‬ولكنني عندما كبرت‪،‬‬
  ‫ومأجوج‪ ..‬بقصتك هذه تجعلين يوم القيامة يقترب!‬                    ‫وبدأت بالكتابة‪ ،‬عرفت أ َّن النهايات السعيدة نهايات‬
  ‫ارتجف قلبي‪ ،‬ورحت أتذ َّكر كتاب أهوال يوم القيامة‬              ‫سخيفة‪ ،‬ولا تليق بشخصية عظيمة كـ»جان فالجان»‪.‬‬
‫الذي كان من ضمن ما قرأته من كتب الحقيبة‪ ،‬وق َّررت‬                 ‫أكملت قراءة كتب الحقيبة الكبيرة كلَّها خلال أربعة‬
 ‫أن أحرق الق َّصة كلَّها‪ ،‬وألغي وجود القزم فرفور من‬            ‫أعوام‪ ،‬كنت أقرأ ك َّل كتاب ثلاث أو أربع م َّرات‪ ،‬لأفهمه‬
 ‫رأسي‪ ،‬م َّزقت الورقة بهدوء من الدفتر الملون‪ ،‬ورميت‬            ‫إن كان كتا َب ِف ْك ٍر أو فلسفة أو تاريخ‪ ،‬ولأعيد تفاصيله‬
  ‫بها في المدفأة‪ ،‬ولك َّن تفاصيل زيارة القزم لمنزلنا مع‬         ‫الجميلة إن كان رواية‪ .‬أذكر أنني بعد أن أنهيت قراءة‬
                                                               ‫كتاب (الأمير) ذهبت لأختي الكبيرة التي كانت تح ِّضر‬

                                                                                                  ‫لزفافها‪ ،‬وقلت‬
                                                                                                 ‫لها‪ :‬لقد قرأتها‬

                                                                                                    ‫كلَّها! قالت‪:‬‬
                                                                                                ‫ماذا قرأت؟ قلت‬

                                                                                                  ‫حقيبة الكتب‪،‬‬
                                                                                                ‫ضحكت وقالت‪:‬‬
                                                                                                ‫وما ه ِّمي بكتبك!‬

                                                                                                   ‫تعالي واكتبي‬
                                                                                                      ‫لي رسالة‬

                                                                                                 ‫جديدة وجميلة‬
                                                                                                      ‫لخطيبي‪،‬‬
                                                                                                       ‫وز َّينيها‬
                                                                                                      ‫بالرسوم‬
   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127