Page 126 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 126

‫العـدد ‪32‬‬                       ‫‪124‬‬

                                      ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

                                            ‫د‪.‬عزيز بعزي‬

                                                    ‫(المغرب)‬

                    ‫الحلاج‪..‬‬
‫بين الناسوتية واللاهوتية‬

   ‫الصوفية في البصرة‪ -‬انقطعت‬               ‫الأزمان والأمكنة‪ ،‬ففي بعض‬    ‫ثمة من سيقول في دخيلة نفسه‪:‬‬
‫العلاقة بين الرجلين كأن لا شيء‬        ‫صوره يمكن أن يتخذ دلالة رمزية‬
                                                                        ‫ما علاقة لباس الخرقة بالتصوف؟‬
                         ‫بينهما‪.‬‬        ‫متعلقة بالصحبة‪ ،‬وذلك بالتردد‬     ‫وحتى لا نبتعد عن الصواب وعن‬
  ‫عندما شعر الحلاج بأنه متفوق‬            ‫المثابر على شيخ‪ ،‬أكثر من كونه‬
   ‫على مرشده الروحي‪ ،‬المتصوف‬              ‫يدل على شكل طقوسي للتبني‬          ‫الإجابة م ًعا‪ ،‬من اللازم هنا أن‬
 ‫المشهور الجنيد البغدادي ‪255‬ه‪،‬‬                                            ‫نسلم بأن لباس الخرقة لا يمكن‬
 ‫تركه بعد مرور ست سنوات من‬                                   ‫الروحي‪.‬‬      ‫أن يفهم بصورة حرفية‪ ،‬ما دام‬
‫الصحبة‪ ،‬وبعدما ألبسه بيده خرقة‬        ‫ما ذكرناه‪ ،‬حقيقة لم يحصل بتا ًتا‬     ‫الإلباس في الحقيقة لا يقتضي‪،‬‬
    ‫التصوف‪ .‬وهكذا أعلن الحلاج‬                                            ‫أو يترجم بالضرورة في ممارسة‬
 ‫تمرده في حياته الصوفية علانية‪،‬‬         ‫مع الحلاج «أبو المغيث الحسين‬      ‫التربية بنقل كسوة أو لباس‪ ،‬بل‬
                                      ‫بن منصور بن محمي البيضاوي»‬
    ‫فاختار على إثر ذلك أن يختلط‬                                             ‫يمكن أن ينطبق على عمامة‪ ،‬أو‬
    ‫بالناس زاه ًدا‪ ،‬وواع ًظا بالحياة‬     ‫(‪244‬ه‪309 -‬ه)‪ ،‬وذلك بسبب‬            ‫على قطعة بسيطة من القماش‪.‬‬
  ‫الروحية‪ ،‬وقد دفعه اختياره هذا‬           ‫تمرده‪ ،‬وخروجه عن توجهات‬          ‫والحق أن الممارسة التربوية في‬
     ‫إلى ربط علاقة قوية بالشاعر‬            ‫شيوخه‪ ،‬فصحبته الأولى مع‬       ‫أصلها لا تخرج عن صور أبرزها‬
 ‫الصوفي المشهور أبي بكر الشبلي‬        ‫شيخه سهل بن عبد الله القشيري‬       ‫تلقين ذكر وعهد‪ ،‬فعن طريق ذلك‬
                                      ‫(ت‪283‬ه) لم تستغرق إلا سنتين‪.‬‬        ‫تشتد الصلة بين المريد وشيخه‪،‬‬
                       ‫(‪334‬ه)‪.‬‬           ‫حينما انتقل إلى البصرة تعرف‬    ‫حيث ينقل إليه هذا الأخير البركة؛‬
    ‫هذا كله يدل على أن الحلاج لم‬         ‫على المتصوف المشهور عمر بن‬     ‫جاع ًل منه حلقة جديدة في سلسلة‬
  ‫يلتزم بتعاليم التصوف المعروفة‬            ‫عثمان المكي (ت‪297‬ه)‪ ،‬لكن‬     ‫لا تنقطع ترجع إلى النبي صلى الله‬
 ‫‪-‬كما بينها القشيري في رسالته‪-‬‬        ‫علاقته معه لم تدم طوي ًل‪ ،‬فبسبب‬
   ‫والتي تتجلى في ضرورة تأدب‬              ‫زواج الحلاج من إحدى بنات‬                          ‫عليه وسلم‪.‬‬
   ‫المريد مع شيخه‪ ،‬والاعتقاد بأن‬       ‫أبي يعقوب الأقطع ‪-‬وهو منافس‬           ‫من الخطأ الاعتقاد بأن لباس‬
                                        ‫عمر بن عثمان المكي على زعامة‬      ‫الخرقة يتخذ معنًى واح ًدا في كل‬
   121   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131