Page 91 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 91

‫‪89‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

    ‫آلة موسيقى تعزف وحدها‪ ،‬دودة قز تحكي لي‬              ‫وجهي‪ ،‬ولا شعوري بالفقد الذي لم يفتر لثانية‬
     ‫نكتة سافلة سمعتها من نملة ثملة‪ ،‬أشياء كنت‬      ‫واحدة‪ ،‬كأني أتصارع مع الوقت‪ ،‬مرة يغلبني ومرة‬
‫معتا ًدا عليها‪ ،‬لكن أن يتحول القمر إلى وحش عملاق‬    ‫أغلبه بالتحايل عليه بالنوم‪ .‬دائ ًما كنت أفكر وأدخن‪،‬‬
 ‫بلسان طويل يسيل منه اللعاب مثل نافورة ملاهي‬
                                                        ‫وأتساءل كيف لهذا الهدوء أن يتحول بالصباح‬
                          ‫فهذا لم أعهده من قبل‪.‬‬      ‫إلى صخ ٍب لا يمكن تحمله؟! كنت أسأل وأجيب أن‬
  ‫هدأت الأصوات‪ ،‬وعادت الصور إلى وضعها شبه‬             ‫البشر هم علّة هذه الحياة‪ ،‬دونهم ستسير الحياة‬
                                                       ‫على أكمل راحة‪ .‬وهذا ما جعلني أتخلى عن جميع‬
    ‫الطبيعي‪ ،‬الباب يفتح‪ ،‬المرحاض الذي كان يفكر‬
   ‫بالقفز فوق رأسي أطلق زفرة راحة‪ ،‬وهدأ قلي ًل‪،‬‬                            ‫علاقاتي واستبدالها بقطة‪.‬‬
  ‫العالم في متناول يدي‪ ،‬يسترخي مثل طف ٍل وديع‪،‬‬          ‫أثناء بحثي عن المعنى‪ ،‬تساقط مطر خفيف فوق‬
                                                     ‫وجهي‪ ،‬بدأت أمسح وجهي وأحك شعري القصير‬
      ‫الهدوء المفاجئ هو خوف مفاجئ‪ ،‬الأمطار لا‬         ‫بيدي الهزيلة‪ ،‬اعتقدت أن قنف ًذا سقط من السماء‪،‬‬
 ‫تتوقف‪ ..‬أقصد اللعاب لا يتوقف‪ ،‬والأرض تتمايل‪،‬‬        ‫أو شجرة‪ ،‬أو قذيفة‪ ،‬كل شيء في هذا المساء بدا لي‬
  ‫لا أعرف هل تحاول الاعتدال أم أنها تفكر بشقلبة‬      ‫متوق ًعا‪ ،‬الشيء الوحيد الذي لم أكن أتوقع حدوثه‬
  ‫جديدة‪ ،‬الخوف يزداد‪ ،‬أسير فوق الأرض‪ ،‬صوت‬
                                                          ‫أن يكون هذا المطر الخفيف هو لعاب مصدره‬
   ‫المرحاض في رأسي يضحك‪ ،‬كان يخبرني طبيبي‬                                                   ‫السماء‪.‬‬
   ‫النفسي‪ ،‬عندما تفقد شيئًا تحبه‪ ،‬ستشعر أن كل‬
‫شيء يتحول ضدك حتى الله‪ .‬لذلك أنا كما أنا متزن‬         ‫اعترضت وقلت في نفسي‪ ،‬لن تمر هذه الليلة على‬
                                                     ‫خير‪ ،‬سأعاقب كل من يحاول السخرية مني‪ ،‬كنت‬
     ‫ومتعافي ولا أكره أح ًدا‪ ،‬وليس لي علاقة بكائن‬
    ‫بشري‪ ،‬لا أحد يعرفني ولا أعرف أح ًدا‪ ،‬علاقتي‬          ‫غاية في التعصب‪ ،‬ولكنني هدأت بسرعة عندما‬
‫مع الكائنات الحية أكثر من عادية‪ ،‬كنت أحب قطتي‬        ‫صفعتني موجة هواء لطيفة‪ ،‬رأيت حمرة القمر قد‬
 ‫ج ًّدا وأكره أن تخرج‪ ،‬حتى لا تموت بحادث سيارة‬      ‫تغيرت‪ ،‬وللحظة رأيت وجه قطتي‪ ،‬شعرت بروحها‬
   ‫أو تتسمم وهذا للأسف ما حصل‪ ،‬ماتت بطريقة‬          ‫تلامس روحي‪ ،‬وأن نعومتها بالحضور تختلف عن‬
 ‫لا تناسب لطافتها‪ ،‬احترق قلبي عندما رأيتها تزبد‬        ‫حدتها بالغياب‪ ،‬نظرت إلى السقف باحثًا عن سر‬
  ‫أمامي‪ ،‬وضعت رأسها تحت كفتي‪ ،‬هدهدتها كمن‬
  ‫يهدهد الموت بين يديه‪ ،‬قلبتها كقطعة قماش مبتلة‬        ‫هذا الخجل المفاجئ للقمر‪ ،‬اعتقدت أنها مزحة أو‬
  ‫من عرق الإجهاد‪ ،‬وضعتها جوار قلبي لتأخذ منه‬          ‫كذبة يحاول فيها القمر لعب دور الطفل المشاغب‪،‬‬
    ‫نبضة‪ ،‬لكنها كانت ضعيفة لا تقوى على وحش‬
                                                        ‫ولكنها كانت حرب خفية تختبئ خلف ابتسامة‬
                               ‫مفجع مثل الموت‪.‬‬        ‫ساخرة‪ ،‬بدأ كل شيء يتحول ضدي‪ ،‬حتى عامود‬
 ‫لم ُت ْج ِد محاولاتي لإنعاشها أي فائدة‪ ،‬تراخت مثل‬
  ‫ورقة مبتلة‪ ،‬طالعتني بنظرة أخيرة شعرت بحبها‬              ‫الكهرباء مد لسانه وأخذ يضحك على وجهي‪،‬‬
 ‫الصادق‪ .‬رحلت قطتي المسكينة دفنتها بالقرب من‬            ‫ويسخر من شعر قلبي المصبوغ بالوردي‪ ،‬هذا‬
                                                     ‫الانقلاب المفاجئ جعلني أهرب إلى السرير وأغطي‬
    ‫رصيفنا الرملي‪ ،‬وضعت على قبرها وردة وعلبة‬
      ‫تونا‪ .‬مسحت دموعي‪ ،‬استقللت سيارة أجرة‪،‬‬               ‫وجهي تحت لحاف الخوف الذي بدأ يضيق‪،‬‬
              ‫متج ًها إلى أقرب بائع حيوانات أليفة‪.‬‬      ‫ويشعرني أنه يحاول شرنقتي‪ ،‬الأشياء الغريبة‬
                                                       ‫تحدث‪ ،‬والسرير يشارك بالمؤامرة يفتح فمه عن‬
                                                     ‫آخره ويخرج لسانه‪ ،‬يعتقد الملعون أني معكرونة‪،‬‬
                                                        ‫أهرب من مكان إلى آخر‪ ،‬بيتي صغير‪ ،‬وحجمي‬
                                                      ‫لا يصلح للاختباء‪ ،‬لا أملك أحد يخلصني من هذه‬
                                                         ‫الوحوش المفترسة‪ ،‬أهرب إلى الحمام أغلق على‬
                                                        ‫نفسي بإحكام‪ ،‬وأفكر بطريقة أطرد من خلالها‬
                                                        ‫الكائنات المزعجة‪ ،‬ربما في حياتي اليومية‪ ،‬كنت‬
                                                      ‫معتا ًدا على وردة تضحك‪ ،‬سلك كهربائي يرقص‪،‬‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96