Page 37 - merit 52
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
«أوصيكم بهذه البلاد خي ًرا ،ففي كل شبر منها وإذاعتنا ،برامج تولي الثقافة الحد الأدنى من
كنز» ،وكذلك السرد ليس غريبًا واف ًدا ،فقد ولد الاهتمام ،بل إن الأجهزة الإعلامية دأبت على إيلاء
في الحكي الشفاهي مع ولادة إنسان هذه البلاد،
ونمى! ومثلما تعتري التغييرات بفعل الزمن كل مسؤولية الثقافة لشخصيات بعيدة كل البعد
شيء ،ظلت تطاله التغييرات في الشكل والمضمون. عن روح هذا العصر وثقافته ،التي تحاصر بها
وفي بلادنا الكبيرة ،في ولادته الثانية ،تشكل ببطء المجتمعات (المنتجة) مجتمعاتنا (الاستهلاكية) من
في رحم الجمعيات الوطنية. كل الاتجاهات.
لكن كيف بدأ ،وهو يمسك بتلافيف أسئلته ولم تكت ِف هذه الأجهزة بعدم استقطاب المبدعين،
وتمسك به؟! ليس هناك تاريخ محدد ،فكل وتوظيف إمكاناتهم وطاقاتهم ،في توجيه وإدارة
شيء يتشكل ببطء وفي هدوء غير ملحوظ. دفة الثقافة ،في بلد يعتبر أن رأسماله الحقيقي هو
فاللحظة التي أنتجت حركتي {الغابة والصحراء} (التنوع الثقافي) ،الذي هو من أهم الثروات التي
( )9و{أبادماك}( )10الشعريتين ،ربما ،هي اللحظة يذخر بها ،بل عمدت –على ضوء توجه إيديولوجي
نفسها التي أخذ فيها السرد يك ِّون أسئلته محض ،إلى (صناعة النجوم) ،من أهل الولاء و–..
وهمومه داخل رحميهما. إلى محاربة المبدعين الحقيقيين الذين أقصتهم
ولدى الحديث عن حركات كالغابة والصحراء وأزاحتهم ،لذات الأسباب الإيديولوجية ،وأحلت
وأبا دماك ،لا بد لنا من إلقاء نظرة أو ًل على محلهم الأميين ثقافيًّا (المثقفاتية) ،الذين هم
مصادر الإلهام التي أنتجتهما ،فهما دون شك من نقيض (المثقفين) والمبدعين الموهوبين! وانعكس
ذلك بصورة جلية بتفشي الغثاء السردي لعاطلين
ثمرات الأدوار التاريخية ،التي لعبتها الجمعيات عن الموهبة من الجنسين ،استفرغت المطابع على
الأدبية في بناء الحس الوطني ،كجمعيات :الاتحاد
حين غرة كتاباتهم الفجة!
السوداني ،أبوروف ،مجلس الشيخ الطيب ورغما عن كل هذه التعقيدات في المشهد
السراج ،ندوة لسان العرب ،ندوة التجاني عامر، السوداني ،بظروفه الخاصة ج ًّدا ،إلا أن ثمة
ندوة الروائية الرائدة ملكة الدار محمد عبد الله، إشراقات على الجانب الآخر من الأرخبيل ،تتمثل
في الكتابات السردية الجادة .فضمن الانفجار
صالون الشول بت حلوة ،صالون بت الخبير، السردي العام ،استعادت المرأة عبر بعض الأقلام
وندوة إشراقة الأدبية. النسائية –الموهوبة القليلة ج ًّدا– مؤخ ًرا موقعها
على خارطة السرد ،فظهرت العديد من النصوص
فمنذ ١٨٩٨أخذت العاصمة المثلثة –قبل أن يصبح
اسمها كذلك– وأقاليم السودان الكبير ،تمور الجيدة!
السرد ليس كيانا منفص ًل،
بالتكوينات والأجسام الثقافية، فهو جزء من الحياة اليومية..
التي بدأت تتبلور وتتجلى في حلقات عجائز كبار القرية
كشرايين وأوردة ،تسقي
وهم يتداولون قصص
الحركة الوطنية .مما نتج عنه الأجداد لتتلقفها الأجيال جي ًل
قيام جمعيات سرية .وقد
بعد جيل ،وهو في مؤسسة
شكلت هذه الجمعيات السرية الجدة وهي تحكي لأحفادها
والأدبية مور ًدا عذ ًبا لهؤلاء
الذين سلكوا دروب الأدب في الأمسيات! السرد ليس
كيانا منبتًّا دون جذور في
والثقافة ،لينتهي بهم الأمر إلى هذه التربة التي قال عنها
الطريق المروعة للسرد. ونجت باشا ،في (رسائل
ومدونات مجلة الفجر :)١٩١٠
وعندما شكلت أندية الموظفين
والجمعيات مؤتمر الخريجين،
كان ذلك إيذانا بأن (مضغ)