Page 161 - Lybia Flipbook
P. 161
فقد ساهم خروجهم من البلاد بعد عام 2011 في توقف العديد من المشاريع والأنشطة الزراعية ومصانع التعليب. وبدأت رمال الصحراء تزحف ببطء على الأراضي التي كان
تم تحويلها ذات يوم إلى اللون الأخضر.
أدى انخفاض الإنتاج المحلي، وتعطل سلاسل الإمداد، وانخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع تكاليف السلع الأساسية وتفاقم انعدام الأمن الغذائي. أما الجنوب فهو في وضع أكثر صعوبة، لأن المسافة من موانئ البحر المتوسط تضيف إلى أسعار المؤن والأغذية تكاليف نقل مرتفعة. فسعر وقود الطهي في الجنوب، على سبيل المثال، قد يصل إلى خمسة أمثاله في مناطق أخرى من البلاد. وبحلول عام 2021، لم يتمكن نحو 40 في المائة من الليبيين من الحصول على مجموعة متنوعة من الأغذية اللازمة لنظام غذائي صحي، كما أن نصف مليون شخص، ومنهم
الكثير من المهاجرين، لا يحصلون حتى على المواد الغذائية الأساسية.13
لكن الوضع لا يخلو من جانب مشرق،
أومن«حصيرة»كمايقولالليبيون،
حيث يتيح تراجع سخاء الإنفاق
العام فرص ًة لإعادة اكتشاف الإنتاج
الغذائي المستدام والقادر على الصمود
في وجه تغير المناخ. وفي الغالب
وبحكم الضرورة، يتعلم المزارعون الإقتصاد في استخدام المياه باستخدام طرق ري أكثر كفاءة، واختيار المحاصيل التي تتكيف مع أنواع المناخ القاحل بشكل أفضل، وإصلاح الأراضي باستخدام الحلول القائمة على الطبيعة مثل تثبيت الكثبان الرملية بغطاء من النبات الصحراوي للحماية من زحف الرمال. وبدأت تظهر طرق لزراعة الأغذية أكثر فاعلية من حيث التكلفة وأقل اعتماداً على الموارد، منها الصوبات
الأسماك ونقلها. ومن أجل تقديم تشجيع إضافي للمجتمع الزراعي، قامت الحكومة بتوفير أوجه الدعم والمعدات المجانية والإستعدادلشراءالمنتجاتالمحلية.بالإضافةإلىذلك، ساهمت وفرة الأيدي العاملة الأجنبية في هذه الجهود لتكون
البلاد قادرة على توفير الغذاء لمواطنيها.
لم يستمر الإرتفاع الهائل في الإنتاج الغذائي المحلي طويلاً، فسرعان ما أصبحت المياه الجوفية الساحلية مالحة حيث أدى استخراجها إلى السماح لمياه البحر بالتغلغل في الأراضي الداخلية. وفي حين يستمر تدفق المياه الأحفورية من طبقات المياه الجوفية، فإن هذه المياه محدودة، كما أنها لن تكون صالحة للإستخدام في نهاية المطاف إذا لم
تتم إدارتها بشكل سليم. ولكن إلى حد أكبر، السبب الرئيسي لإنخفاض الإنتاج الغذائي يتمثل في الصراع وما صاحبه من تعدد المؤسسات وتداخل
اختصاصاتها.
على الرغم من الحفاظ على الزخم بعد عام 2011، فسرعان ما بدأت البرامج والبنية التحتية التي تمولها الدولة في التلاشي. وتوقفت الحكومة عن
كونها المشتري الرئيسي للمنتجات الغذائية المحلية، وحتى الخدمات الأساسية أصبحت غير منتظمة. وأدى انقطاع التيار الكهربائي إلى صعوبة تشغيل المعدات أو سحب المياه اللازمة للري. وتوقف مصنع الأسمدة عن العمل بسبب عدم الإستقرار، كما أن القيود المفروضة على الحصول على النقد الأجنبي جعلت من استيراد البذور في حد ذاته أمراً صعباً. ونظراً لأن إنتاج الغذاء اعتمد بشكل كبير على العمال الأجانب،
إذا قمنا بالتحليق فوق ليبيا، فسوف نلاحظ أنها أرض قاحلة إلى حد كبير، تتخللها بعض البقع الخضراء، كما أن معظم تجمعاتها السكانية تقع بالقرب من الساحل. ونظراً لأن الأمطار لا تكفي للزراعة البعلية سوى في مساحة تعادل 2 في المائة فقط من البلاد، ظل عدد سكان ليبياتاريخياًصغيراًمقارنًةبمساحتهاالشاسعة.وعلىطول الساحل، في سهول الجفارة إلى الغرب وفي التلال الخضراء إلى الشرق، استطاع المزارعون زراعة مجموعة متنوعة من الحبوب والفواكه والخضروات. وفي الجنوب، كانت تُزرع أشجار التمور والفواكه في الواحات التي تخترق الصحراء. وكان ما يوفره صيادو الأسماك ورعاة الأغنام مكملاً لما يحتاجه الليبيون في أنظمتهم الغذائية، في حين أتاحت شبكات التجارة الواسعة للمجتمعات المحلية شراء المنتجات التي
ً
لا يمكن توفيرها محليا.
إن اكتشاف النفط في خمسينيات القرن الماضي، والذي أعقبه اكتشاف مكامن المياه الجوفية الأحفورية في أعماق الصحراء، أتاح للبلاد تجاوز حدودها التقليدية. أدى الدخل الإضافي من بيع النفط إلى طفرة في طلب الليبيين على الغذاء، وتضاعفت الواردات الغذائية. وبدءاً من السبعينيات، عندماانتهجتالحكومةسياسًةلتحقيقالمزيدمنالإكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء، تم استثمار عائدات النفط في مشاريع البنية التحتية الكبرى للتوسع في أنشطة الري وزيادة خصوبة التربة. وظهرت دوائر خضراء شاسعة تنتج الحبوب مثل القمح والشعير في الصحراء بإستخدام المياه من مكامن الآبار الجوفية العميقة. وبفضل إمدادات لا حصر لها من المياه، قامت الحكومة ببناء أكبر مشروع هندسي لها، وهو النهر الصناعي العظيم، الذي استغل مكامن المياه الجوفية العميقة لنقل المياه العذبة إلى المزارع والمنازل في جميع أنحاء البلاد. كما تم بناء مصنع أسمدة لتحويل الغاز الطبيعي إلى مادة خام أولية غنية بالنيتروجين لتعزيز إنتاجية التربة. كما تم افتتاح مصانع التعليب ومحطات التبريد لتسهيل استهلاك
من العالم إلى المائدة: غذاء الأمة
أصف ليبيا بأنها فسيفساء للثقافة حيث انها تعتبر معبر عبرت منه أغلب ثقافات العالم من الشرق الأوسط إلى المغرب الكبير وإلى إفريقيا وايضا إلى شمال أوروبا.» أحمد، 43 سنة
161