Page 213 - Lybia Flipbook
P. 213
تكاليف الخدمات الطبية في الخارج، بما في ذلك العلاج باهظ التكلفة للمصابين جراء الصراع، ويُترك الموظفون الحكوميون وهم يتخبطون من أجل تسوية الفواتير الطبية المستحقة
التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات. وتأتي الرعاية الصحية الخاصة كأفضل حل متاح أمام من لا يستطيع السفر للعلاج بالخارج. وقد أثبت الليبيون أن مقولة «الصحة خير من الثروة» صحيحة، حيث زادت المدفوعات الخاصة لمقدمي خدمات الرعاية الصحية من القطاع الخاص أكثر من الضعف منذ عام 2011، كما أنها تواصل النمو على الرغم من انخفاض القوة الشرائية للمواطنين. وتغطي هذه المدفوعات مجموعة كاملة من خدمات الرعاية الصحية، من العيادات الطبية الخاصة إلى الخدمات المتخصصة مثل مراكز الأشعة والتصوير التشخيصي، إلى طب الأسنان
وفي الوقت نفسه، تراجع الإنفاق العام على الرعاية الصحية، بما في ذلك الإستثمارات في تحديث الأنظمة الإدارية، وتضررت سلسلة التوريد الطبي. ومن دون ضوابط ملائمة على المخازن ومراقبة موثوق بها، فغالباً ما لا تتوفر الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة. كما أن غياب الرقابة على المشتريات يفتح الباب أمام المخالفات، مما يؤدي إلى
تكرار الإتهامات بوقائع الفساد.
يقل الكثير من مؤشرات الصحة في ليبيا عن البلدان الأخرى التي تماثلها في مستوى الثراء. فعلى سبيل المثال، يزداد متوسط العمر المتوقع لليبيين ولكن بوتيرة أبطأ مما هو
يمر النظام الصحي الليبي حالياً بمرحلة تحول غير مقصودة، فعلى الرغم من أن الرعاية الصحية تظل مجانية وشاملة من حيث المبدأ، هناك فارق آخذ في الإتساع بين هذه السياسة والواقع الفعلي. ومع تضاؤل قدرات نظام الرعاية الصحية وتزايد الطلب على خدماته، بدأت العيادات والصيدليات الخاصة في النمو لتلبية احتياجات القادرين على الدفع، أو ببساطة سد الثغرات التي يعاني منها النظام الحكومي. ويُعد إدراك أبعاد هذه الديناميكية الجديدة وأوجه القصور فيها أمراً بالغ الأهمية لإعداد نظام الرعاية الصحية
في المستقبل.
لا تزال النسبة الأكبر من العاملين في القطاع الصحي على كشوف الرواتب الحكومية، ومن المفترض أن تقوم وزارة الصحة بشراء جميع الأدوية والمستلزمات الطبية. لكن الأمر اختلف بعد عام 2011، حيث أدى انعدام الأمن إلى نزوح العاملين في قطاع الصحة، وفي غضون خمس سنوات، انخفضت القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية بشكل كبير. لكن المشكلة اليوم لا تكمن في نقص الكوادر الصحية، بلعلىالعكس،فتوافرعددكبيرجداًمنالأطباءوالممرضات غالباً ما يؤدي إلى عمل البعض منهم بمستوى أقل بكثير من قدراتهم. لكن تكمن مشكلة الأطباء في التوزيع غير المتوازن للتخصصات – فعلى سبيل المثال، كثرة أطباء الأسنان وقلة عدد أطباء الأطفال يؤدي إلى نظام صحي باهظ التكلفة ولكنه غير قادر على تقديم الخدمات الضرورية. أما بالنسبة للممرضات، فعادة ما ينقصهن التدريب الكافي، مما يحد
من قيامهن بدور أكثر جدوى في رعاية المرضى.
ورعاية الأمومة. وأصبح نحو ربع
عيادات الرعاية الصحية الأولية
ينتمي للقطاع الخاص، و يتم افتتاح
المزيد منها تباعاً. وتتضاعف أيضاً
أعداد الصيدليات الخاصة لتعويض
أوجه القصور في سلسلة الإمداد
الحكومية، مما يشجع على شراء منتجات العلامات التجارية
باهظة الثمن.
يعتبر نمو القطاع الخاص بوجه عام علامة على قوة الإقتصاد،
ولكن الأمر يختلف عندما يكون متعلقاً بقطاع الصحة، حيث
عليه في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، بينما تفاقم معدل الوفيات النفاسية منذ عام 2011. وارتفع معدل انتشار الأمراض غير السارية مثل السكري والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي بشكل
كبير، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن نظام الرعاية الصحية الأولية الضعيف لا يحدد أعراض هذه الأمراض في وقت مبكر بما يكفي لمنعها من التحور إلى حالات تغير مسار حياة المريض. ونتيجة لذلك، تتدهور الحالات الصحية التي يمكن معالجتها بسهولة إلى الدرجة التي تتطلب تلقي العلاج في المستشفى.
أتمنى لو أن المنطقة التي أعيش فيها توفر لي بنية صحية وتعليمية على الطراز الحديث.» فاطمة، 30 سنة
يمكن أن ينتج عدداً من الآثار السلبية. أولاً، الحصول على ًً
خدمات الرعاية الصحية يصبح محصورا في الذين بإمكانهم دفع تكاليفها ويعيشون قريباً منها فقط، مما يترك الأقل ثراء، لا سيما المهاجرين ومن يعيشون في المناطق الريفية، في وضعغيرمواٍتبالمرة.ثانياً،بدونلوائحتنظيمية،يمكنأن
مع تدني مستوى جودة خدمات الرعاية الصحية، يسعى الليبيون وبشكل متزايد إلى الحصول على الرعاية الطبية خارج البلاد. وأصبح اصطحاب أحد الأقارب إلى تونس أو تركيا للحصول على الرعاية الطبية أمراً شائعاً أكثر فأكثر بين المواطنين. ومن حيث المبدأ، تغطي الحكومة العديد من
تضررت البنية التحتية والإدارة الطبية أيضا، فبحلول عام 2017، كانت نحو خُمس المؤسسات الصحية قد أغلقت أبوابها، ومعظم المؤسسات المتبقية تعمل بأقل من طاقتها.
ما وراء التشخيص: علاج نظام الرعاية الصحية
213