Page 249 - m
P. 249

‫‪247‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

      ‫وقد سبق للرياض أن سعت‬            ‫وتحولها إلى إرهاب مو َّطن يعمل‬    ‫لسقوط الرئيس صالح‪ ،‬وسقوط‬
   ‫لجمع الأطراف اليمنية لتحقيق‬              ‫بالدفع المسبق لصالح كافة‬     ‫الحكم المطلق الذي امتد لأكثر من‬
   ‫عملية الانتقال السلمي للسلطة‬                                         ‫ثلاثين عا ًما‪ ،‬انتقلت المسؤولية إلى‬
    ‫من الرئيس صالح‪ ،‬فيما عرف‬         ‫الخصوم السياسيين‪ ،‬وأزمة دعاة‬
  ‫بالمبادرة الخليجية‪ ،‬في زمن الملك‬       ‫التغيير ضمن الأجندة الغربية‬       ‫سلطة انتقالية توافقية برئاسة‬
 ‫عبد الله بن عبد العزيز آل سعود‪،‬‬         ‫المدفوعة للقفز والاستيلاء على‬     ‫نائبه‪ ،‬عبد ربه منصور هادي‪،‬‬
‫والتي تم التوقيع عليها في الرياض‬           ‫السلطة في دولة كان الفشل‬      ‫الذي ُكلف بإدارة مرحلة الانتقال‬
 ‫في نوفمبر ‪ ،٢٠١١‬وشكلت مدخ ًل‬                        ‫عنوانها الرئيس‪.‬‬
‫لعملية أشرفت عليها الأمم المتحدة‬                                              ‫السياسي السلمي إلى نظام‬
   ‫لصياغة خطة تنفيذية للمبادرة‬         ‫انهار ما تبقي من رموز وهياكل‬        ‫اتحادي ديمقراطي تعددي‪ .‬ألا‬
  ‫السعودية شملت بنو ًدا عسكرية‬        ‫الدولة‪ ،‬وسطت مليشيات الحوثي‬          ‫أن انعدام الكاريزما الشخصية‬
   ‫وسياسية‪ ،‬اتفق عليها الخصوم‬                                           ‫لدى الرئيس هادي‪ ،‬وغياب قدرته‬
‫السياسيين بإشراف الأمم المتحدة‪،‬‬           ‫على ما تبقى من ركام ما كان‬      ‫على التواصل مع الناس‪ ،‬افقدته‬
 ‫و ُكلف هادي نائب الرئيس صالح‬          ‫يعرف بدولة الوحدة في صنعاء‪،‬‬      ‫إمكانية التأثير في الأحداث وحتى‬
‫حينها بالإشراف على تنفيذ الجانب‬         ‫وهرب الرئيس هادي الذي كان‬           ‫التأثير في المؤسسة العسكرية‬
 ‫العسكري‪ ،‬ولم تحقق عملية إعادة‬         ‫قد قدم استقالته‪ ،‬ليعيد تنصيب‬
 ‫هيكلة القوات المسلحة والأمن أي‬                                              ‫التي يفترض أنه كان قائدها‬
    ‫إنجاز يذكر‪ ،‬بل عززت القناعة‬           ‫نفسه رئي ًسا من عدن ولفترة‬         ‫الأبرز‪ ،‬وفشل بكافة المعايير‬
     ‫بأن المؤسسة العسكرية تتبع‬        ‫أيام معدودات قبل ان تسقط عدن‬        ‫لتقديم البديل الجديد «جمهورية‬
 ‫الرئيس المخلوع‪ ،‬فيما أقر الجانب‬                                         ‫ديمقراطية اتحادية»‪ ،‬والذي كان‬
   ‫السياسي عقد الحوار الوطني‪،‬‬            ‫بيد الحوثيين وصالح ويهرب‬        ‫يقدمه كمدخل لاستمرارية بقائه‬
                                      ‫هادي لاجئًا إلى الجارة السعودية‬      ‫في السلطة‪ ،‬والمتمثل بمخرجات‬
       ‫وصياغة الدستور‪ ،‬وإجراء‬          ‫طلبا للدعم لإعادته وشرعيته إلى‬        ‫الحوار الوطني الشامل التي‬
      ‫انتخابات عامة تنهي العملية‬                                             ‫صاغها مبعوث الأمم المتحدة‬
  ‫الانتقالية وفق الدستور الجديد‪.‬‬                             ‫صنعاء‪.‬‬      ‫حينها‪ ،‬جمال بنعمر مع مجموعة‬
  ‫وخلال هذه المرحلة كان الرئيس‬                                            ‫السفارات المؤثرة‪ ،‬بالتنسيق مع‬
    ‫السابق صالح يتربص للعودة‬                  ‫***‬                       ‫مجموعة النخب السياسية المتطلعة‬
   ‫إلى المشهد السياسي‪ ،‬فيما كان‬                                             ‫للفوز بالسلطة والمتهافتة على‬
    ‫الرئيس الذي انتخب‪ ،‬بالتوافق‬         ‫كانت الرياض تراقب منذ فترة‬
    ‫الوطني لقيادة مرحلة الانتقال‬         ‫من الزمن انهيار هياكل النظام‬                         ‫تقاسمها‪.‬‬
‫السياسي السلمي‪ ،‬يبحث في كيفية‬            ‫والقانون في جارتها الجنوبية‪،‬‬       ‫وبينما كانت النخب السياسية‬
  ‫بقائه في السلطة بعد الانتخابات‬       ‫وكانت المخاطر تتزايد مع ورود‬        ‫تتزاحم على كعكة السلطة‪ ،‬فيما‬
     ‫التي ستتمخض عن الدستور‬             ‫رسائل التحذير من كل صوب‪،‬‬        ‫عرف بمفاوضات فندق الموفنبيك‪،‬‬
     ‫الجديد‪ .‬وبينهما كان الحوثي‬       ‫ومعها تزايدت مصادر القلق لدى‬          ‫كانت اليمن تتفاعل في داخلها‬
   ‫يدرك ويستغل شغف الطرفين‬              ‫صانع القرار السعودي‪ ،‬من أن‬
  ‫بالسلطة‪ ،‬تمكن من فرض نفسه‬              ‫ما يحدث في اليمن ستكون له‬            ‫صراعات متراكمة وملتهبة‪،‬‬
  ‫أم ًرا واق ًعا على الساحة‪ ،‬واستمر‬   ‫آثار ارتدادية واسعة على المنطقة‪،‬‬      ‫بد ًءا من أزمة الحكم‪ ،‬والدولة‬
    ‫في مغازلته كليهما حتى تحين‬        ‫خاصة لموقع اليمن الاستراتيجي‬       ‫العميقة‪ ،‬وخروج صالح وتربصه‬
      ‫اللحظة المناسبة لينقض على‬      ‫عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر‪،‬‬   ‫بالسلطة‪ ،‬وأزمة التمرد في صعدة‬
   ‫السلطة بانقلاب كان يراد له أن‬     ‫وسيطرته على مضيق باب المندب‪،‬‬         ‫التي استمرت منذ في ‪ ٢٠٠٤‬في‬
                                     ‫وعلى الأمن الملاحي في منطقة بحر‬      ‫ستة حروب متتالية مع الجيش‬
                                     ‫العرب وخليج عدن‪ ،‬وجنوب البحر‬         ‫اليمني‪ ،‬وأزمة انفصال الجنوب‬
                                       ‫الأحمر‪ ،‬حيث تمر ‪ ٢١‬ألف قطعة‬        ‫والمطالبة بعودة اليمن الجنوبي‪،‬‬
                                        ‫بحرية سنو ًّيا‪ ،‬وما يوازي ‪٪١٢‬‬   ‫وأزمة انتشار التنظيمات الإرهابية‬

                                             ‫من حجم التجارة العالمية‪.‬‬
   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253   254