Page 10 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 10

بغداديات 6 كله عند العرب بطيخ
كنا صغارا نلهو ونستمتع باي شيء جديد، اذكر بوضوح الآن اول تعارف لي مع البطيخ، ككرة خضراء مبرقعة، كملابس القوات الخاصة والصاعقة وشوادر التمويه التي يضعها الجيش على سيارات اللاند روفر، قبل ان اتعرف اليه كنبات وطعم، وقشر وبزر.
لقد أقيم معرش كب  في حارتنا، وكان شبيها بخيمة الس ك، وفرشت ارضه بالقش، وسرعان ما حضرت شاحنة كب ة تحمل عددا هائلا من رؤوس البطيخ، بدأ الشباب ذوو العضلات بتفريغ الشاحنة، من خلال تقاذف تلك الرؤوس بكل مهارة، لتحتضنها الايادي وتقذفها من جديد الى شخص يضعها بكل أناة الى جانب اخواتها البطيخات الأخريات. كانت الاسر تشتري البطيخ بالجملة وخاصة عندما يتلاقى موسمه الصيفي مع شهر رمضان، كانت رؤوس البطيخ تتزاحم تحت السرير، وكان شرائه مهارة يدعيها الكل ولا يتقنها احد الا بالصدفة، وكان تقش ه فن
يدعي الكل انه امهر من غ ه فيه، وكان يقدم للأم  وللغف  كضيافة لا غبار عليها، وكان سحورا مميزا ح  يقدم مع الجبنة البيضاء.
كان البزر الاسود وف ا في بطيخ تلك الايام، كان يجمع ويغسل ويجفف ثم يحمص بإضافة الملح ور ا الفلفل الاسود، بطيخ اليوم   يعد مدورا فقط، ولا اخضرا مبرقع فقط، و  يعد اسمه البطيخ فقط، و  يعد يذبح ويقطع ويقدم بذات الطريقة، لقد امتلك اس ء واشكال والوان جديدة، وتنافس المئات في تصوير مهاراتهم بذبحة وتقطيعه ونشر ذلك عبر فيديوهات اليوتيوب حيث تلاقي متابعة كب ة.
اول اسم آخر للبطيخ، واول شكل مغاير لكرة البطيخ، واول لون جديد للبطيخ واول طريقة ذبح غ  تقليدية للبطيخ تعرفت اليها في بغداد، فهناك اسمه رقّي، وشكله اسطوا  متطاول، ولونه فستقي وغ  مموه، واما ذبحه فلا يتم بشقه نصف  طوليا او عرضيا، وا ا بتحوبل الكتلة الاسطوانية الى دوائر. الطعم ذاته ان   يكن افضل، رغم غرابة الاسم وحداثة الشكل، لكنني لا استطيع الجزم انه سيكون ذات الطعم ح  يصبح مكعبا، او على شكل قلب حب ك  انتجته اليابان مؤخرا وبيع هناك بأ ان مرتفعة جدا كهدايا قيمة. يبلغ سعر البطيخة اليابانية
المكعبة 96 يورو، واما البطيخة على شكل قلب حب فانها تباع ب 2600 يورو.
ومؤكد انه لن يكون ذات الطعم ح  يصبح اسمه شمزي ك  في الموصل، او شفتي ك  عند الاكراد، او دلاع ك  في الجزائر وليبيا، او دلاح ك  في المغرب، او جبس ك  في حلب، او جح ك  في السعودية وسلطنة ع ن، او يح ك  في الامارات، او حبحب ك  في اليمن، او قرة ما في الصومال، او دبشي ك  في دير الزور. هنا يحتاج القول اننا "امة عربية واحدة" الى دفاع مستميت، افضله المثل الشعبي القائل: "كله عند العرب بطيخ".
الحقيقة ان كل الاس ء بدءا من بطيخ ومرورا بـ جح و يح وانتهاءا بـ دبشي، لا تعكس من البطيخ لا شكله ولا لونه ولا طعمه ولا أي شيء منه، هناك اشياء واضحة اك ، اسمها على لونها كالبيضة مثلا، اما هذا الاخضر والابيض والاحمر والاسود، فلا اسم يحمله بوضوح وشفافية.
درج العراقيون على شراء البطيخ ع السك ، ومن هنا جاء المثل الشعبي الذي يردده غ  المهتم  بـالجندرة: "المرة مثل الرقية انت وحظك ع السك ". ويقابله لدينا: "الزواج مثل البطيخة"، والحقيقة ان البطيخ دخل كث ا في الامثال والاقوال المأثورة والشعبية فاذا اردنا ط نة شخص قلنا له: "حط في بطنك بطيخة صيفي" وكأن هناك بطيخ شتوي مثلا. واذا اردنا تحذيره نقول له: "بطيخت  بالايد ما بتنشال" وكأن اليد مثلا  كنها حمل خروف  او ش مت ، واذا ما اردنا ايصاله الى حافة اليأس من الدراسة مثلا نقول له: "بلا دراسة بلا بطيخ" واذا ما اردنا حمل احدهم على نسيان خسارته نقول له: "ياما كسر هالجمل بطيخ"، واذا ما اردنا التذك  باصل الشيء قلنا: "ازرع البطيخ بقثاة، كل شيء يرجع لأباه". وفي مصر يقولون لمن يفتعل مشكلة
على شيء تافه: "علشان حتة بطيخ عمل مشكلة وصريخ".
وانا ايضا عملت من الحبة بطيخة وليس مجرد مشكلة او قبة، وبقي ان اقول ان باعة البطيخ مميزون باشكالهم واصواتهم وسلوكهم، فهم عادة سمينون جدا يرتدون دشداشة في وسطها حزام، ومعلق به سك ، وينادون على بضاعتهم بصوت عال جدا، ويتفنون في المناداة عليها، وفي طريقة عرضها.
واما بائعات البطيخ فيكفيهن زهواً ان نانسي عجرم هي نقيبتهن او ملكتهن، ولقد حازت هذا اللقب بجدارة عندما رقصت وغنت بفستانها الاحمر الجميل اغنية "ما تيجي هنا" في  كانت تبيع البطيخ قبل ان يجري اعتقالها بتهمة تكس  البطيخ في الشارع العام. ذكية جدا هذه النانسي، لقد  كنت من الافلات من قبضة العدالة يومها.
12


































































































   8   9   10   11   12