Page 9 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 9
بغداديات 5 مّنالس وبناتالرعد
كان والدي رحمه الله واحدا من ب مئات غادروا قراهم في فلسط منتصف القرن الماضي، واتجهوا الى العمل في الكويت، وسرعان ما صار عددهم مئات الألاف، كنا ننتظر قدومه في اجازات الصيف بفارغ الصبر، وبقدومه يص الصيف موس للمتعة، كانوا يأتون الى الاردن برا، إما عن طريق السعودية وإما عن طريق العراق. كنت اعرف من أي طريق جاء دون سؤال وجواب، فالقادم عبر العراق سيحمل معه دون اد شك، عددا من الصناديق الخشبية البيضاء المغلقة بالمسام بإتقان وإحكام، في داخل كل صندوق قطع من حلوى بيضاء طرية مغمورة بالدقيق،
يكن لطعمها شبيه، كانت رغم صلابتها تذوب على لسا ، وتصبح هشة، سامحة لي باستكشاف ما بداخلها من لوز او فستق.
يصعب وصف الطعم، غ ان الشعور المصاحب لتذوق تلك الحلوى كان مدهشا، لدرجة انه يدعوك الى التمهل، وتركها تذوب في الفم ببطء قبل ابتلاعها، لن تشعر بامتلاء، او اقتناع، ستطلب المزيد،ففيكلحبةمنحبات)م ِّنالِس (،تتكرردهشةالتذوق،ومحاولاتالوقوفعلىالطعمالجميلوالمح . تكنحبات)م ِّنالِس (قاسيةكحباتالنوغاالسوريةالبيضاء،ولا مليئة بالسكر كالحلاوة الطحينية، التي تقنعك بل تدفعك لتركها بعد اول ملعقة.
باختصار لقد كانت شيئا مختلفا وخرافيا، وهو ما ثبت لي لاحقا، عندما عرفت انها مجرد تحوير ونحت عراقي للم ّن والسلوى، التي وردت في ثلاث آيات في القرآن الكريم وكانت دوما مرتبطة ببعضها ومرتبطة بفعل انزلنا عليكم أي على بني اسرائيل.
العراقيون ماهرون جدا في نحت العبارات، تفعل كل الشعوب ذلك ولكن العراقي امهر من كل الشعوب، حدثتكم سابقا عن الضابط البريطا الذي طلب كوبا من الشاي الشرقي قائلاً: استكان ، وكيف نحت العراقيون العبارة لتصبح استكان، ولتص هوية مميزة للعراق وللعراقي ولكل كاسة شاي على مر التاريخ. هناك شواهد كث ة على ابداع العراقي في نحت الكل ت.
كيفنحتالعراقيونالمّنوالسلوىلتص م ِّنالِس ،وهلهذهالنعمةالتيانزلهااللهسبحانهوتعالىعلىبنياسرائيلفيزمنالتيه،هيذاتهاالتيتصنعفيالسلي نيةوتوضعفيعلب خشبية،ليشتريهاالقادمونمنالكويتالىالاردن؟رأىالمفسرونانالم َّنالذيانزلهسبحانهوتعالىكانسائلاغليظاكالصمغينزلعلىالاشجاركالثلج،ويكونأشدبياضامنالل ،وأحلى منالعسل،واماالسلوىفهيوفقالبعضالمفسرينالعسل،ووفقالآخرينهيطائرال ُّس ن.وطبعارأىآخرونانالم َّنا اهوكلماام َّ اللهبهعلىبنياسرائيلمنطعاموشراب،
وغ ذلك، م ليس لهم فيه عمل ولا كد، ورأوا ايضا ان السلوى المقصودة هي السلوان وكل ما يُسلي الانسان.
وامام احتشاد وتضارب التفاس ، لا بد من الذهاب الى طريقة صنع هذه الحلوى وتب مكوناتها ومن اين تأ ؟ لا اختلاف هنا ولا مجال للتفاس المتضاربة. يجمع الفلاحون العراقيون المادة الخام التي تفرزها حشرة المن على جذوع اشجار الجوز والبلوط والمازو في فصل الخريف وتكون صمغية لزجة مائلة للاخضرار ويبيعونها لمعامل الحلويات حيث يتم تذويبها في الماء المغلي، ثم تصفيتها ثم تصنيعها وحشوها بالجوز او اللوز او الفستق ثم يتم عجنها بالدقيق قبل ان تعبأ في العلب الخشبية.
وبذلك يكون العراقيون قد جمعوا كل التفاس : ما هو مادي كالسائل الصمغي الغليظ او العسل، وما هو لا مادي كالم ّن عنى الفضل والهبة والنعمة التي تتأ للإنسان من رب الس ء دون كداوجهداوتعب،وصاغوام َّنس ئهم،لنحتارفيطعمهوفيمعناهأهوماديتجمعمادتهاللزجةمنالاشجار،امهبةالس ءلأنهلايزرعولايستنبتولايحتاجارضااوحراثةاوسقاية. اصحابمنهجالهبةالربانيةيسندونرأيهمبحديثنبويصحيحيقول"الك ةمنالمّن،......"والك ة)الفقعلدينافيالمشرق،والترفاسهناكفيالمغربالعر (،نباتلاساقولااوراقله، وينمو تحت الارض في الصحراء، ويستخرج منها على ايدي العارف بالحفر في فصل الربيع وفقط بعد نهاية ايام المطر المصحوب بالرعد والبرق، ولذلك يسمون حبات الك ة ببنات الرعد. بنات الرعد هذه مفيدة ولذيذة تشبه البطاطا شكلا وحج ولكنها رخوة وملساء، اللافت في الموضوع ان لا احد زرعها او إستنبتها فهي تخرج لوحدها بعد الرعد والبرق وفي الاراضي التي
تطأهاقدمالانسان،انهاهبةاللهومّنةالس ءوالرعودوالبروق.
فيالسنواتالاخ ة يعدالمسافرونيشترونمّنالس منبغدادلنقلهالىالاردن،لقداصبحيصدرالىهناك،ور ايصنعهناكايضا،غ انالمسافرينفيالربيعكانوايتوقفونفيمنطقة الرمادي لشراء اكياس كب ة من الك ة التي ت في اراضي الانبار. اغلب الظن ان شباب الانبار يضعون الآن اطراف دشاديشهم ب اسنانهم او يربطونها الى وسطهم، ويحمل كل منهم فأسا صغ ا بعصا طويلة، يس كل منهم متتبعا شقوق الارض التي جفت، وبع الخب سيلحظ نتوءا صغ ا، سيحفر على عمق 01 سم لا اك ، ليجد بنت الرعد هناك في انتظاره، سيجمع
منها الكث ، فهذا موسمها..
11