Page 121 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 121
بغداديات الاخ ة
مَحـبَـةوُشـكـر
بعد 73 يوما من هذه المطولات البغدادية، ينتابني الشعور بالضياع، او الغرق في دوامة لا استطيع الخروج منها، يجب ان استريح ولا استطيع، يجب ان اعود الى هنا ولا اعرف كيف، يجب ان اعرج على شاميات، واخشى ان اغرق ثانية. كتبت سلاسل كث ة في شؤون شتى، هنا على الفيسبوك وفي اماكن اخرى، وكان الخروج منها سهلا، كنت اتقيأ سياسة فترتاح معد ، واكتب في شؤون اخرى ف تاح دماغي، واما الخروج من بغداديات فهو صعب جدا، لان ما فيها يستقر ابعد من العقل، انه اصعب على قلبي من
مغادرة بغداد عام 1995، كنت يومها عائدا الى فلسط ، اما اليوم فأغادر لا اعرف الى اين.
ليس ان »الطريق الى البيت اجمل منه« ك قال الشاعر محمود درويش، فالبيت جميل وعزيز، ولكن الاشياء البعيدة تبدو اك رومانسية وج لا، وتص اجمل وانقى عندما تغدو ابعد في الجغرافيا والزمن. المكان يتبدل والزمان لا يتوقف الا في البال، ك قال الشاعرأحمد شوقي: قد يهون الزمان الا ساعة .... وتهون الارض الا موضعا
ورغم ان الزمان والساعة يكونا حقيقة في بغداد، او ر ا كانا هناك ولكن خيالا ولدقائق ليس اك ، ور ا يكونا او يص ا الى الآن، ور ا كنت احاول نحته هنا عبر هذا الفضاء الافتراضي الازرق. اك ما اخشاه هو معاودة زيارة الاماكن او مشاهدة الاشخاص الذين دخلوا الى قلبي وعقلي واستقروا في ذاكر بكل الق وج ل، اخشى ان يتم خدش صورتهم في الذاكرة، اتجرا على زيارة برل التي عشت فيها عاما واحدا فقط ايام الشيوعية الا بعد مرور 20 عاما على انهيار جدارها.
تكنالحياةفيبرل سهلةومريحةك قدتظنون،ولكنهاكانتافضلالفمرةم ُرسمتفيخيالمن يزرها،ومنعملعلىاسقاطجدارها،و تكنالحياةفيبغداد، وحيا انا خاصة، مريحة وسهلة ك قد تعتقدون، لقد كانت قاسية جدا، ولكنها كانت حياة ذات مغزى، وكانت افضل ليون مرة م هي عليه الآن بعد اسقاط نظامها. ابدا كتابة هذه السلسلة بقرار مدروس، لقد بدأت ل ابتعد عن ازمة انتشار ف وس كورونا، والتي واكبتها يوميا بالمقالات والمنشورات واليوميات، بدأت بكتابتها والزمت نفسي، وفتحت ابواب الذكريات والانطباعات، و يكن اقصى ما كن البوح به كث ا، ولأسباب في بطني وستظل في بطني، ابتعدت عن اضفاء الطابع الذا عليها، فتحايلت عليها بالمعلومة والتاريخ ووصف الاماكن واستعنت بالس الذاتية لكث ممن احببتهم، ونقلت ابداعاتهم كتابة ورواية ورس ونحتا وشعرا وموسيقى وغناء.
تذكرت الناس غجرا وكردا وصابئة ويهودا وأزايدة، والأماكن من اربيل الى الفاو، رميت نفسي من فوق شلال كلي علي بيك فوجدت نفسي في الاهوار، سبحت في الحبانية وتجففت في صحراء الرمادي، وقفت بشط العرب فرأيت سامراء وسمعت أذان الحدباء. توضأت في المندي وصليت في الكنسية ورتلت في المسجد، ولطمت في الحسينية فصار حز شفافا وصار بوحي شجيا. وغنيت مع رياض احمد شعر النواب ح قال: »ان الصلاة على تراب لا يوحد ليس تكتمل«.
تذكرت بائعات الهوى، واحاديث البارات والمقاهي، ومناكفات الزهاوي والرصافي، احتفلت بالدارمي والنايل الجبوري والابوذية، وه ّوست هوسات جنونية مع ثوار العشرين في الناصرية، دخلت قصر الرحاب وزنازين نقرة السل ن، قرأت الفاتحة في نصب الشهداء، حاولت ان اقول: »اقدر اشوفك« وانا اقف على جبل احد مواجها المنطقة الخضراء، طفت اسواق الكرادة بحثا عن مسبحة من كهرمان، بحثت في رفوف المتنبي عن »الشخصية المحمدية« فتع ت بفرانكشتاين، وطشاري. تتبعت دروب المنفى والعودة اللاعودة، لأرى مظفر النواب وفؤاد سا والسياب وسيف الدين ولا ، هتفت جوووول مع مؤيد البدري، وضحكت كث ا مع عمو بابا، وبكيت على احمد راضي، وكنت كل
حاولت التقدم الى الامام تشد ضحكة ظلت معلقة تحت شجرة في الوزيرية، او دمعة عالقة فوق جسر الجادرية، او صرخة هناك على الحدود.
ركبت الريل مع محبوبة حمد، جالست عبدالله الذي يجيد صنع مجداف ولا لك قارب، بكيت على سعود، تعاطفت مع وشلة وميحانة، وبكيت على من اعطى البراءة، وهمست في اذن من صمد و يعطها: »ايام المزبن كضن، تكضن يا ايام اللف«، فصعد مراجف للدف، ودك راسه بكاع الحبس، وكتب على القاع: »ابنكم باعته الدنيا ولا باع«. لعبت محيبس في الحارات، واكلت من الس وزنود الست، وحضرت بعض المسرحيات، فتشت عن مقاطع لمسلسل »تحت موس الحلاق« فاجأ الذئب وعيون المدينة وصاح
نسرها: »عجيب امور ... غريب قضية«. واطل عبود الكرخي من باب المجرشة ليقول: »هم دنيا وتنكضي وحساب اكو تاليها«.
123