Page 120 - Baghdadiat-RightToLeft
P. 120
بغداديات 73 بصمة بلد على الجسد
سمع الشاعر محمود درويش هسيس القيامة، ولكنه يكن جاهزا لطقوس التناسخ، و يتذكر من زمنه الذهبي القديم سوى الفرح بالنجاة من الموت، هكذا صار احساس الشاعر بالحياة في خط نهايتها يقترب، وكان سابقا لا عب نرد يرى ان كل الذين ماتوا، نجوا من الحياة بأعجوبة. )الشعر الصادق هو ابن لحظته الشعورية، لحظة تتواطؤ فيها اللغة مع المشاعر، لتجعل النجاة مرة من الموت ومرة من الحياة، ولتكون في المرت صادقة ام الصدق(. درويش يعتبر المكان فخا، ولكن الزمان عنده فخ كب يُشيخ حتى الصدى، ظل يزور نفسه ذهابا وايابا ليعيد رسم ما يريد من امسه وفقا لما يشتهي وليس ك كان، واشتقاق ما يريده لغده. يكن يريد لقصيدته ان تنتهي قبل ان يتأكد من صحة الابدية، يكن يريد لنهاره ان ينتهي رغم انه كان نهارا خريفيا. )في النهاية لن نتأكد من شيء، سنترك الاسئلة والقلق وجدول الاع ل ونذهب الى البياض(.
اطوي بغداديات وفي القلب حسرات، اطويها عاجزا عن وصف ج ل العراقيات، وتلمس مهارة صانعي الخزف، وكيفية سكب النحات للأرواح في الت ثيل، او ادراك الطريقة التي يضخ بها الفنان الدماء والحرارة في شخوص لوحاته وشرفات منازلهم، او الخيال الذي تسبح فيه افكار الرسام العراقي اطويها وفي رأسي رياض احمد يدندن وال مظفر النواب )يا ريحان، اترف من جفاف المهر( في مهرجان بابل، اطويها وفي اوراقي قصاصات من اشعار موجعة كتبها سيف الدين بها قبل طرده من العراق ليموت غريبا، اطويها وفي راسي اناشيد ح سية تقول )يا قاع ترابج كافوري(، اطويها معتذرا لأنني استقر على كل ت تستطيع وصف الشجن في لطميات مقتل الحس ، اطويها عاجزا عن كتابة ولو سطر واحد عن طريقة القراء العراقي في ترتيل القرآن الكريم، يبدو ان ذاكر ترفض التخلي عن اجزاء عراقية جميلة، وتريد الاستئثار بها دون
مقاسمتها مع الآخرين.
اين هو الفخ الآن في المكان ام في الزمان، ام في هذه الذاكرة؟ يبدو ان الفخ يكمن في الوقوف على الشرفات الخلفية دون محاولة الاقتراب من العتبات.
وهو ما يُجمع لأحلام الغرباء من مواد مصنوعة من شفافية اللاشيء الجميل ويحمص لهم ونادرا ما يأ صباحا ونادرا ما يتدخل في حديث عابر مع سائق تاكسي ونادرا ما يتطفل على قاعة مؤ ر أو على موعد اول ب ذكر وانثى هو زائر المساء ح تبحث عن آثارك في ما حولك ولا تجدها ح يحط على الشرفة دور َي يبدو لك انه رسالة من بلد تحبه وانت فيه ك تحبه الان وهو فيك كان معطى وشجرة وصخرة وصار عناوين روح وفكرة وجمرة في اللغة كان هواء وترابا وماء ..وصار الى قصيدة
مرة اخرى انا مصاب بالحن الذي عبر عنه محمود درويش: الحن ندبة في القلب وبصمة بلد على الجسد لكن لا أحد يحن الى جرحه لا أحد يحن الى وجع أو كابوس بل يحن الى ما قبله الى زمن لا أ فيه سوى أ الملذات الاولى التي تذوب كقطعة سكر في فنجان شاي الى زمن فردوسي الصورة والحن نداء الناي للناي لترميم الجهة التي كسرتها حوافر الخيل في حملة عسكرية هو المرض المتقطع الذي لا يعدي ولا يت حتى لو اتخذ شكل الوباء الج َمعي هو دعوة للسهر مع الوحيد وذريعة العجز عن المساواة مع ركاب قطار يعرفون عناوينهم جيدا
اسهر كل ليلة على الشرفة الخلفية، اعلق اوراقي لاقط، لترى ضوء القمر مرة اخ ة، امنحها فرصة استرجاع العلاقة مع نجمة من الماضي، انتظر بقلق حتى تكتب احدى الاوراق سطرا اخ ا وتسقط ب يدي، اواسي اخواتها، ثم اواسيها، اضعها قر وانام، يرن المنبه عند السابعة والربع، اقوم مخذولا بإلقاء نظرة اخ ة قبل تعليقها هنا على الفيسبوك.
122