Page 22 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 22
افلـىعمـصردااللقـديـمـةة
ثقافة ماعت
عند المصري القديم
لا يجوز وجود الظلم مع القانون
بقلم:
د .ممدوح الدماطي
وزير الآثار الأسبق
بينمــا يبحــث العالــم اليــوم عــن القيــم الأخلاقيــة الممثلــة للحــق والعــدل،
يشـهد تاريـخ مصـر لهـا بالسـبق حيـن عملـت منـذ آلاف السـنين بمقتضـى
«ماعــت» وهــي مفهــوم فلســفي أخلاقــي يعنــي الحــق – العــدل –
النظــام ،وهــي الدســتور الــذي نظــم حركــة الكــون فــي مصــر القديمــة،
والقانــون الــذي رســم علاقــة الملــك بالشــعب ،والشــعب بالملــك .وهــي
أيضــ ًا المبــدأ الأخلاقــي والمعنــوي الــذي كان علــى كل مصــري إتباعــه فــي
جميــع مراحــل حياتــه اليوميــة .وعليــه أن يعمــل بمقتضــاه لإقامــة الحــق
والعــدل والنظــام أمــام الله فــي الأســرة والمجتمــع والأمــة والبيئــة.
بالحياة في الآخرة. بالحق والعدل والنظام ،فلا ربوبية للمعبودات بدونها كانت ماعت الدستور الذي شكله المصري القديم
وكانت أهمية ماعت أن المصري القديم اعتبرها ولا ُملك لملك إلا أن يحيى بها. كمبدأ لتلبية احتياجات الدولة المصرية وسعى لوضعه
ممثله للنظام الكوني في جميع جوانب الوجود ،بما في لتجنب الفوضى وأصبح أسـاس القانون المصري
ذلك التوازن الأساسي للكون ،والعلاقة بين الأجزاء كان العقل المصري يرى ماعت في كل شيء في وحدة القديم .وأصبح الملك منذ نشأة الدولة المصرية
المكونة له ،ودورة الفصول ،والحركات السماوية، الكون ،والعالم الطبيعي ،والدولة ،والفرد والمجتمع، يصف نفسه بأنه «نب ماعت» أي رب ماعت وأن
والمـاحـظـات الدينية والتعامل الـعـادل والأمـانـة ينظر إليها جمي ًعا على أنها أجزاء من كل يتكامل مع الذي يصدره من مراسيم ملكية يخرج مع فمه بماعت
والصدق في جميع مناحي الحياة الاجتماعية ،وأن بعضه البعض ،هو ماعت .فكتب عنها الحكيم بتاح التي وقرت في قلبه .وكان على الملك أن يثبت للآلهة
أي خلل في أحد مظاهرها هو بمثابة خلل ودمار حوتب الذي عاش في عصر الأسرة الخامسة منذ المصرية أنه يحكم مصر بماعت أي بالحق والعدل
للكون كله ،وبذلك اعتنقها كجزء من عقيدته التي حوالي 4400سنة« :ماعت عظيمة وقيمتها دائمة. والنظام ،فنجده يبدأ جميع الطقوس الدينية بما
يعمل بمقتضاها .ولذلك جسد ماعت كربة للحق وهي لم تختل منذ يوم أن خلقت ،ومن يتعدى عليها فيها طقوس الخدمة اليومية في المعابد المصرية
والعدل والنظام في صورة امرأة يعلو رأسها ريشة يعاقب .لذا عرف المصري القديم الثواب والعقاب بتقديم رمز ماعت ،والذي مثل بسيدة يعلو رأسها
نعامة ،وكما قدمها الملك قر ًبا للأرباب ،جسدت في والحساب في العالم الآخر أمام أوزيريس سيد قاعة ريشة ،أو بالريشة نفسها ،قربا ًنا لجميع الآلهة ،وهي
ذاتها كإلهة تقدم لها القرابين بجوار المعبودات الأخرى ماعت ،وهي قاعة المحكمة والحساب في العالم الأخر، التقدمة التي تعني إقرار الحق والعدل والنظام في
فكما ذكر على العديد من البرديات التي عرفت جميع مناحي الحياة سواء كانت الدينية بعلاقة الملك
في المعابد المصرية إعلا ًء لشأنها. ببرديات كتاب الموتى ومنها بردية لشخص يدعى بأربابه أو الدنيوية ممثلة في علاقة الملك بشعبه
وكانت ثقافة ماعت في المجتمع المصري القديم حو نفر من عصر الدولة الحديثة حوالي 1270 ورعيته ،وكذلك كانت غذاء الآلهة التي تحيا به.
هي الروح التي تطبق العدالة والدستور الذي يحكم قبل الميلاد أي منذ حوالي 3270سنة ،والتي تظهر إذ أنها وكما ذكرت النصوص المصرية هي القوة
القانون ،إذ أن ماعت مثلت القيم الطبيعية والأساسية محاكمة حو نفر ،بوزن قلبه ،حيث يوضع قلب حو الفاعلة التي يعيش منها وبها الآلهة والبشر م ًعا
التي شكلت الخلفية التي يحتاجها القاضي لتطبيق نفر في أحد كفتي الميزان أمام ريشة ماعت التي خاصة الملوك ،فقد ذكرت حتشبسوت عن نفسها:
العدالة التي كان لا بد من تطبيقها بما لا يخالف تمثل الحق والعدل في كفة الميزان الأخرى ،أي أن ”أنا أعظم ماعت التي يحبها (رع) ،لأني أعرف أنه
أعماله ُتزن بالقسطاس ،وهنا يظهر توازن الكفتين، يعيش بها ،إنها أي ًضا خبزي وأنا أشرب من نداها“.
روح الحقيقة والإنصاف. أي كفة قلب الميت مع كفة ريشة ماعت ،وهو ما وهذا يعكس الحال التي يكون عليها من يعيش وتغذى
ووظيفة القضاء كانت من ضمن مهام الوزير اعتبا ًرا يعني أن أعماله تتفق مع الحق والعدل ويسمح له
من عصر الأسرة الخامسة ،حوالي (2370-2510 أكتوبر 2024
22