Page 68 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 68

‫قامنكوتنبيةة‬

    ‫العدل والقضاء‬
‫فى العصور المختلفة‬

‫فــى الوقــت الــذى بــدأت فيــه بتأليــف كتــاب «العــدل والقضــاء فــى العصــور‬                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             ‫بقلم‪:‬‬
‫المختلفــة»‪ ،‬والــذى أشــرف علــى تقديمــه ســعادة المستشــار‪ /‬فــوزى يحيــى‬
‫أبـو زيـد‪ ،‬رئيـس اسـتئناف بمحاكـم الاسـتئناف المصريـة‪ ،‬كان هدفـى الأساسـى‬
‫هـو نشـر أهميـة تطبيـق العـدل فـى المجتمعـات ورسـالة القضـاء فـى إعـاء‬
‫ســيادة القانــون‪ ،‬واحتــرام حقــوق الإنســان‪ ،‬لمــا يقــوم عليــه القاضــى بالفصــل‬
‫فــى الخصومــات وحــل المنازعــات بيــن النــاس بالحــق ليســترد المظلــوم حقــه‬

                                                                              ‫الــذى ُســلب منــه‪.‬‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                    ‫بقلم‪ :‬مروة محمد مصطفى‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         ‫كاتبة‬

‫أبى طالب إلى مالك بن الاشتر النخعى عندما ولاه الحكم فى مصر ليطالبه‬                                                                                                                                                                                                   ‫فمن أهم سبل السعادة التى يسعى إليها البشر هو تحقيق العدل بينهم‪ ،‬دون‬
‫فيها بإعطاء القاضى الذى يختاره منزلة لديه لا يطمح فيها غيره من المقربين‬
‫إليه‪ ،‬وتعتبر تلك الرسالة من الوثائق العلمية التى أستنبط منها الفقهاء صفات‬                                                                                                                                                                                            ‫تمييز بين طبقات المجتمع المختلفة‪ ،‬مما يقود الإنسان إلى الراحة والطمأنينة‬

                 ‫وشروط اختيار القاضى من أجل بناء نظام قضائى عادل‪.‬‬                                                                                                                                                                                                    ‫والإستقرار الإجتماعي‪ ،‬فالناس جميعاً سواء أمام القانون لا تمييز بينهم فى‬
‫وفى العصر الحديث‪ ،‬أدرك المصريون خطورة رسالة القضاء فى إعلاء سيادة‬                                                                                                                                                                                                    ‫الحقوق والواجبات وأن اختلفوا فى العرق أو اللغة أو الدين‪ ،‬يقول ع َّز وج َّل فى كتابه‬
‫القانون‪ ،‬واحترام حقوق الإنسان‪ ،‬من خلال ما أوردته المذكرة الإيضاحية لقانون‬                                                                                                                                                                                                                    ‫َيُت ِ َعؤ ُّد ُظواكُماْ ِبلَ ِهَم ِاإ َن َّنا ا ِتل ِإ َّلَل َٰكىاأََن ْهِل َسَه ِامي َوًِعإاذَابَ َِحصيكَ ًرْماُت﴾م‬  ‫﴿ِإ َّن ال َّل َيأْ ُم ُر ُك ْم َأن‬
‫استقلال القضاء المصرى رقم ‪ 66‬لسنة ‪ 1943‬لواضعها حسن نجيب بك والتى‬                                                                                                                                                                                                     ‫َب ْ َي ال َّنا ِس َأن‬                                                                                                                         ‫ِبا ْل َع ْد ِل ِإ َّن ال َّل ِن ِع َّما‬  ‫العزيز‪:‬‬
‫أكدت على قيام القضاء بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية بأداء رسالة هى‬                                                                                                                                                                                              ‫[النساء‪.]58 :‬‬                                                                                                                                                                            ‫َ ْتكُ ُموا‬
‫بطبيعتها مستقلة عن هاتين السلطتين‪ ،‬وأوضحت أن الدستور المصرى الصادر به‬
‫الأمر الملكى رقم ‪ 42‬لسنة ‪1923‬م بمبدأ فصل السلطة القضائية عن السلطتين‬                                                                                                                                                                                                 ‫و َج َّل‪:‬‬      ‫ا ِفلىخلاْفلاَءرْ ف ِضى َفاالأ ْحركُمضبَل ْي َيقايل َّمناوا ِس ُحِبكا َْمهَل‪ِّ ،‬قف َوَقاللَت َّت ِبع َِّعز‬                    ‫تعالى‬        ‫ولقد استخلف الله‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬نص بالمادة ‪ 30‬على أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم‬                                                                                                                                                                                           ‫ا ْل َه َو ٰى‬                                                                                                                                ‫َخِلي َف ًة‬  ‫﴿ َيا َدا ُوو ُد ِإ َّنا َج َعلْ َنا َك‬
‫على اختلاف درجاتها‪ ،‬كما قرر استقلال القضاة فى المادة ‪ 124‬التى تنص على‬                                                                                                                                                                                                ‫َف ُي ِضلَّ َك َعن َس ِبي ِل ال َِّل ِإ َّن ا َّل ِذي َن َي ِضلُّو َن َعن َس ِبي ِل ال َِّل َل ُه ْم َع َذا ٌب َش ِدي ٌد ِ َبا‬
‫أن «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون‪ ،‬وليس لأى‬                                                                                                                                                                                                                           ‫َن ُسوا َي ْو َم ا ْ ِل َسا ِب﴾ [ص‪.]26 :‬‬
                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫ويعتبر تحقيق العدل بين الناس من أقدس الواجبات؛ لإن المجتمع الذى يسود‬
                              ‫سلطة فى الحكومة التداخل فى القضايا»‪.‬‬
‫ويتضمن كتاب «العدل والقضاء فى العصور المختلفة» سبعة أبواب‪ ،‬تناولت فى‬                                                                                                                                                                                                 ‫فيه قيم العدل والمساواة ورفع الظلم ومحاربته بجميع أشكاله يفسح الطريق أمام‬
‫الباب الأول أهمية العدل والقضاء فى التاريخ المصرى القديم‪ ،‬ففى ذلك الوقت‬
‫كانت إلهة العدل ُتسمى «ماعت» وهى سيدة تعلو رأسها ريشة النعام رمز العدالة‪،‬‬                                                                                                                                                                                            ‫كل إنسان وقع على عاتقه الظلم أن يسترد حقه دون أن يكلفه ذلك جه ًدا أو ماًل‪.‬‬
‫تجسي ًدا للحق والعدالة والنظام‪ ،‬ولقد ظهرت نصوص كثيرة منذ ظهور نصوص‬                                                                                                                                                                                                   ‫فالعدل أساس الم ُلك‪ ،‬وحصن الأمن فى الدنيا والآخرة‪ ،‬وبالعدل قامت الدول‬
‫الأهرامات توضح لنا مدى احترام وتقدير الملوك أنفسهم وتقديسهم إلى إلهة‬
                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫التى استطاعت أن ترقى ببلادها‪ ،‬وتحقيق العدل مسؤولية الجميع دون استثناء‪،‬‬
            ‫العدل «ماعت» التى تعتبر من أهم الآلهة المصرية على الإطلاق‪.‬‬
‫وتناولت فى الباب الثانى‪ :‬العدل فى الشريعة الإسلامية‪ ،‬فلقد أتفقت جميع‬                                                                                                                                                                                                 ‫فرئيس الجمهورية مسؤو ٌل عن تحقيق العدل بين أفراد المجتمع‪ ،‬والمدير مسؤول‬
‫الشرائع السماوية على وصف الله سبحانه وتعالى بالعدل‪ ،‬ودين الإسلام جاء‬
‫ليحث الناس على العمل والإلتزام بالعدل‪ ،‬ودلت عليه الآيات القرآنية الكريمة‬                                                                                                                                                                                             ‫عن تحقيق العدل فى إدارته‪ ،‬والمعلم مسؤو ٌل عن تحقيق العدل بين طلابه؛ لخلق‬

                                           ‫والأحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬                                                                                                                                                                                                ‫أجيال واعدة قادرة على الإرتقاء والنهوض بالوطن‪ ،‬والأب مسؤول عن تحقيق‬
‫ا[اللفَّظفاار ِللِقياشَننر‪:‬ي﴾‪7‬ع‪3‬ة[]آ‪،‬اللكإماسعلمقاارمالي‪:‬نة‪َ ﴿:‬وقا‪َ 7‬سمَ‪5‬ي] ْع‪،‬تلَ ُموعا َّلقل ِوذىليه َنم تحَظعالَا ُرلمبوةىا‪َ :‬أال﴿َّي َوظأَُملنْعمََقت‪،‬لَْد ٍقَنباا َيلنِل َلقتِل ُعبَّظاوال ِ َِلنىي‪َ﴾:‬ن[ا﴿ل ََعواَشذلاع ًب ُلَّرااَءأَل‪ِ :‬ل‪ُ7‬يي ً‪2‬مِحا‪،ُّ ]2‬ب﴾‬
‫وعن جابر بن عبد الله ــ رضى الله عنهما ـــ أ ّن رسول الله ﷺ قال‪« :‬اتقوا الظلم‬                                                                                                                                                                                        ‫العدل فى أسرته‪ ،‬والقاضى مسؤول عن تحقيق العدل فى محكمته‪ ،‬فكلما ُط ِّبق‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                    ‫العدل فى شتى نواحى الحياة ساد الأمن والإستقرار فى مجتمعاتنا‪.‬‬
                                        ‫فإ ّن الظلم ظلمات يوم القيامة»‪.‬‬
‫ومثلما قال ابن تيمية رحمه الله‪« :‬أمور الناس تستقيم فى الدنيا مع العدل‬                                                                                                                                                                                                ‫والعدالة لا يمكن أن تتحقق إلا بتطبيق القانون‪ ،‬ومن هنا جاء أهمية القانون‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫وسيادته على الجميع دون استثناء‪ ،‬فالقانون يرد الحقوق لأصحابها‪ ،‬ويرفع الظلم‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫عن المظلومين‪ ،‬وبالقانون تضع الدول الفقراء نصب أعينها‪ ،‬لتتحقق المساواة‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫بين أفراد المجتمع‪ ،‬فالحقوق ُتنتهك بسبب غياب الثقافة القانونية‪ ،‬لذلك أحتل‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫القضاء مكانة عظيمة عند المواطنين‪ ،‬لأنه وسيلة لتحقيق العدل على الأرض‪،‬‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫كما أن له منزلة عظيمة عند الله‪ ،‬وقد بين ذلك فى قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َأ ْق ِس ُطوا ِإ َّن‬
                                                                                                                                                                                                                                                                                                        ‫اللَّ ُي ِح ُّب ا ْل ُ ْق ِس ِطي َن﴾ [الحجرات‪.]9:‬‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫ولقد عرف المصريون قدر القضاء منذ عهد المصريين القدماء‪ ،‬وكانت العدالة‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫هى الهدف الذى يصبو إليه الجميع فى ذلك العهد‪ ،‬وأمتد هذا التقدير بعد‬

                                                                                                                                                                                                                                                                     ‫الفتح الإسلامى لمصر‪ ،‬ودليل ذلك رسالة القضاء الشهيرة التى أرسلها على بن‬

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                               ‫أكتوبر ‪682024‬‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72