Page 56 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 56

‫المشقباالب‬

‫الحرة المنبثقة من حاجة الإنسان والبشرية بصفة عامة‪ ،‬وحاجة العنصر البشرى الأكثر تضررا وهو المرأة بكل ما تعنيه من أبعاد اجتماعية وإنسانية‪،‬‬
                                                              ‫وكونها مستقرا للعديد من المجتمعات التى تستلهم أمنها وسلامتها من خلاله‬
                                                             ‫***‬

                                       ‫المطلب الثاني‪ :‬نظرية العنف وكونه إكراها للإرادة‬
‫رغبة فى حماية حرية الإرادة للأفراد‪ ،‬وأيضا الاعتداد بأى وسيلة تحقق ضغطا أو إكراها لإرادة الغير تشكل عنفا‪ ،‬فمن هذه الوجهة عرف العنف‬
‫بأنه‪« :‬تنازع أو صراع بين إرادتين ومحاولة تغليب إرادة الجانى على إرادة المجنى عليه فتكون فكرة الغاية أو الهدف المتمثل فى التغلب على إرادة الغير‬
‫من العناصر المكونة للعنف وبالتالى يتوافر العنف بمجرد استخدام أية وسيلة من الوسائل التى يترتب عليها حرمان المجنى عليه من إحدى قدراته‬

  ‫أو مكناته الإرادية سواء كانت القدرة على تكوين إرادة عاقلة أو القدرة على التشكيل الإرادى وفقا لظروف الحال أو القدرة على التعبير الإرادي»(‪((1‬‬
‫ووفقا لهذه النظرية؛ فالعنف ضد المرأة يشمل كل فعل من شأنه أن يحقق الضغط على الإرادة سواء كان بالقوى الجسدية أو النفسية‪ ،‬مما يجعلها‬
‫تفقد قدراتها على مواجهته‪ ،‬وقد يكون سببه فقدان الوعى عن طريق التنويم المغناطيسى أو أية طريقة تؤثر على الأعصاب المحركة‪ ،‬ولا يهم طريقة‬

                                                                  ‫ذلك فقد يكون عن طريق ضربة على الرأس أو مادة مخدرة أو الخداع‪..‬‬
‫إ َّن النتيجة المتمثلة فى الضغط الإرادى هو تحديد القيام بالعنف‪ ،‬وليس الطريقة المستخدمة فى ذلك‪ ،‬فأصحاب النظرية السابقة توسعوا فى مفهوم‬

          ‫العنف حيث يشمل على صور أخرى كالاحتيال والخداع الذى لولاهما ما أقدمت المرأة على إتيان سلوك غير متفق مع إرادتها الحقيقية‪..‬‬
‫إن المشرع الجنائى فى تجريمه للعنف يصفه بأنه وسيلة غير مشروعة يلجأ إليها الجانى لتحقيق ما اتجهت إليه إرادته وإكراه الإرادة والضغط عليها‬
‫ما هو إلا هدف من الممكن أن يحقق عن طريق العنف أو التهديد أو الحيلة والخداع ‪ ،‬ولا ينظر إليه كنتيجة تحققت بسلوك الجاني‪ ،‬ولذلك لا ينبغى‬
‫الخلط بين التهديد والعنف فى مفهوم واحد كما فى النظرية الأولي‪ ،‬ولا الخلط بينه وبين وسائل الحيلة والخداع كما فى النظرية الثانية؛ فيتمثل‬
‫اختلاف التهديد عن العنف فى جانبين‪ :‬الأول وهو أن العنف وحده يفترض وجود علاقة بين الحركة الجسدية للجانى وبين الضرر الجسمانى الناتج‬

                     ‫عنه بالنسبة للمجنى عليه‪ ،‬بينما التهديد يترتب عنه نتيجة معنوية وليست مادية تتمثل فى الضغط وإكراه إرادة من يؤثر عليه‬
‫ومن ناحية أخرى نجد أن الحقيقة الجوهرية للتهديد والعنف يختلفان عن بعضهما البعض فيما يخص النتيجة التى تحققت عنهما‪ ،‬فقد ينتج عن‬
‫العنف إكراه للإرادة ولكن ليس بالضرورة أن يتوافر فى الإكراه عنف؛ فمن الممكن ألا يتحقق الإكراه‪ ،‬ورغم ذلك يقوم العنف بتحقيق الضرر الجسمانى‬
‫للمجنى عليه‪ ،‬ونتيجة لذلك فإن كانت نتيجة التهديد والإكراه المادى هو الإرادة‪ ،‬ففى العنف هو جسم المجنى عليه بكافة صوره سواء فى أعضائه‬

                                                                                   ‫الداخلية أو الخارجية أو حتى فى حركته الإرادية(‪((1‬‬
‫فقد اعتمد الفقه الفرنسى معيارا مختلفا للتفريق بين العنف والقوة‪ ،‬ومختلفا عن الذى اعتمده الفقه الجنائى المصري‪ ،‬حيث إذا كان العنف دائما‬
‫ما يتطلب استخدام قوة مادية أو نفسية فإنه ليس بالضرورة كل حالات اللجوء إلى القوة تكون عنفا لأن القوة من الممكن أن تتجه إلى أى موضوع‪ ،‬أما‬

                                                                  ‫العنف فإنه دائما ما يفترض خرق القيم السائدة والمقبولة فى المجتمع(‪((1‬‬
‫وفقا لأصحاب النظرية الثالثة فإنهم يرون أن العنف يشير إلى وقوع ضرر مستقبلي‪ ،‬وغالبا ما يكون تهديدا بالعنف حتى ولو استخدم فى التعبير‬
‫عنه القوة الجسدية‪ /‬البدنية ما دام لا ينتج عنه ضرر جسدي‪ ،‬كما يرون أن العنف لا يمكن أن يباشر بطريق الخداع وأن مجرد وجود حالة من انعدام‬
‫الأهلية بطريق الخداع لا يشكل عنفا فى حد ذاته‪ ،‬فالعنف لا علاقة له بأهلية المجنى عليه حيث أنه يباشر تجاه الكافة ولا يهم ما إذا كان المجنى عليه‬

                                  ‫كامل الأهلية أو ناقص أو منعدم الأهلية وأيضا يباشر تجاه من توافر له الوعى والإرادة ومن ينتفى عنه ذلك‪..‬‬
‫وفيما يهم موضوع البحث‪ ،‬أنه لا يعد تهديد نفس المرأة بخطر جسيم وحال أو التهديد بقتل ابنها مثلا إن لم تقبل الصلة الجنسية التى يبتغيها الجانى‬
‫من الاغتصاب أو هتك العرض أو الاشتغال بمهنة البغاء‪ ،‬عنفا إن لم يشكل ضرر مادى جسمانى للمجنى عليها‪ ،‬بينما إذا تسبب التهديد بوقوع ضرر‬
‫جسمانى للمرأة المجنى عليها فإنه يندرج تحت مفهوم العنف‪ ،‬كما أنه لا يكفى لقيام العنف ضد المرأة اتخاذ الجانى وسائل الحيلة والخداع ما دام الضرر‬
‫الذى لحق بالمجنى عليها لم يصل إلى حد الإيذاء البدني‪ ،‬وعليه فلا بد أن نميز بين الطرق التى تعد عنيفة وما لا تعد عنيفة للتعامل مع الأفراد‪ ،‬كما‬
‫يجب أن يتم التمييز بين أفعال العنف وأفعال اللا عنف؛ فـ (عنيف) هو صفة‪ ،‬وأن فعلا عنيفا (‪ )violent act‬هو تصرف موصوف بتلك الصفة تماما(‪((1‬‬
‫بينما فعل العنف (‪ )act of violence‬هو تصرف يندرج تحت فئة خاصة لا تتعايش مع الأفعال العنيفة‪ ،‬وبالتالى يمكن أن نميز بين الأفعال العنيفة‬
‫وأفعال العنف بالمثال الآتي‪ :‬أن كل تصرف يقوم به كائن بشرى يمكن أن يؤدى على نحو عنيف‪ ،‬فقيام شخص بتجريد أشجار الريف من أغصانها هو فعل‬
‫عنيف‪ ،‬وبالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يكررون مقولة أن الفعل العنيف هو فعل يرتكب ويؤدى باستعمال القوة الجسدية يذكرون ببساطة أن فعلا عنيفا‬
‫هو أى فعل يتصف بالأنواع الآتية من الكلمات المأخوذة من مدخل العنف فى معجم روجيه وهي‪« :‬عدم الرحمة‪ ،‬القوة‪ ،‬الاضطراب‪ ،‬الزئير الهائل‪ ،‬الشغب‪،‬‬

                                                                          ‫(‪( ((1‬د‪ /‬مأمون محمد سلامة‪ -‬أجرام العنف‪ -‬مصدر سابق‪ -‬ص ‪)267‬‬
                                                                          ‫(‪( ((1‬د‪ /‬مأمون محمد سلامة‪ -‬أجرام العنف‪ -‬مصدر سابق‪ -‬ص ‪)272‬‬
‫(‪( ((1‬البروفيسور آلان بيرفت‪ -‬ردود ضد العنف‪ -‬ترجمة د‪ /‬فهمى جدعان‪ ،‬المجلة العربية للدفاع الاجتماعي‪ ،‬مجلة تصدرها المنظمة العربية للدفاع الاجتماعى‬

                                                                                              ‫ضد الجريمة‪ ،‬العدد الثانى عشر‪ - 1981 -‬ص ‪)290‬‬
‫(‪( ((1‬القاموس العصرى الجديد‪ -‬الطبعة الخامسة‪ -‬دار المعرفة‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ -1980 -‬ص ‪ )627‬ويعنى لغة فعل قاسي‪ ،‬وقانونا فعل شديد بالغ الغلظة يحتوى‬

 ‫على قوة مادية غير مشروعة وهو سلوك غير طبيعى وغير عادى (حارث سلمان الفارةقي‪ ،‬المعجم القانونى ‪ -‬طبعة ثانية ‪ -‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت ‪ 1970 -‬ص‪)734‬‬

                                                                                     ‫أكتوبر ‪562024‬‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61