Page 43 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني نهائي
P. 43

‫طبائع الأشياء والسير العادى للأمور‪. .‬‬             ‫جلسة ‪ ، 2024/6/25‬الطعن رقم ‪ 54206‬لسنة ‪ 68‬القضائيه – عليا‬
       ‫من أن المشرع سعى إلى توفير مناخ استثمارى خصب تتوازن فيه الحقوق بين‬               ‫« عقد المشاركة يعتبر حلقة فى سلسلة التطور القانونى التى تنتهجها كثير‬
       ‫طرفى التعاقد (الدولة بأجهزتها والمستثمر المتعاقد معها) حتى يتحقق التوازن‬         ‫من دول العالم فى مجال التعاون مع القطاع الخاص‪ ،‬لجذب الاستثمارات‬
       ‫الاقتصادى المنشود بحماية أموال الدولة العامة وتحقيق مصالحها من ناحية‬             ‫الخاصة إلى منطقة القطاع الحكومى وفى مختلف مجالاته خاصة مجالات‬
       ‫وتذليل كافة الموانع (القانونية منها والمادية) التى تعوق المستثمر من بلوغ غايته‬   ‫البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة لتخفيف العبء عن الموازنة العامة من‬
       ‫فى اقصر وقت وتحقيقه لنسبة الربح الذى سعى إليه من ناحية أخرى‪ ،‬فى‬                  ‫ناحية‪ ،‬وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم إشباع حاجات المواطنين‬
       ‫ظل قواعد قانونية واضحة ومعاملات شفافة يأمن فيها المستثمر على أمواله‬              ‫وإعلاء المصلحة العامة من ناحية أخرى‪ ،‬حيث يتيح هذا العقد لجهة الإدارة أن‬
       ‫من ثمة اضطرابات سياسية أو اقتصادية أو تغييرات تشريعية تقلب موازين‬                ‫تمول العديد من الإنشاءات والتجهيزات وإدارتها واستغلالها وصيانتها دون أن‬
       ‫العلاقة‪ ،‬مع توفير وسائل فعالة لحسم المنازعات التى قد تنشأ بين الأطراف‪،‬‬           ‫يكلف ذلك خزانة الدولة أية أعباء مالية فورية وإنما على مدى الفترة التعاقدية‬
       ‫تعمل على حل المشاكل التى تواجه المستثمر قبل تفاقهما وبدء الصراع التقليدى‬         ‫وتبعاً لمدة التقدم والتطور فى المشروع المعنى‪ ،‬من هنا فقد اهتم المشرع بأن يفرد‬
       ‫بين طرفى علاقة تعاقدية متنازعين‪ ،‬يفقد كل منهما الثقة فى الآخر‪ ،‬ويهرول‬            ‫لعقد المشاركة تنظيماً قانونياً كاملاً يجسد أطراً تشريعية لضبط وإحكام كافة‬
       ‫كل منهما لإعلاء مصلحته الشخصية على مصلحة الطرف الآخر مترصداً له‬                  ‫مراحل إبرامه بما يضمن الحفاظ على حقوق كافة أطرافه‪ ،‬خاصة أنه ذا طبيعة‬
       ‫ومتصيداً لأخطائه لإلحاق الضرر به‪ ،‬لذا كان للدور التشريعى سبقاً فى انتزاع‬         ‫مركبة أو معقدة حيث ينطوى فى ذاته على ضرورة إبرام العديد من العقود‬
       ‫فتيل المبارزة القانونية بين الدولة ممثلة فى أجهزتها والمستثمر‪ ،‬وسنت من‬           ‫المتنوعة والمتداخلة ليس فقط بين طرفيه الأساسيين وإنما بين هذين الطرفين‬
       ‫النصوص التى تهدف إلى منع استطالة النزاع بلوغاً لساحات المحاكم‪ ،‬بعداً عن‬          ‫وأطراف أخرى عديدة سواء فى مجال الخبرات الاستشارية القانونية ــ المالية‬
       ‫أروقتها‪ ،‬وتحاشياً لسلبيات استطالة أمد النزاع نتيجة لتكدس القضايا أمامها‪،‬‬         ‫ــ التجارية ــ الهندسية ــ التقنية ‪ ..........‬الخ‪ ،‬أم فى مجال نقل التكنولوجيا‬
       ‫لذا ناط بلجنة التظلمات نظر تظلمات المستثمرين وما يتعلق أو يرتبط بها خلال‬         ‫أو التمويل‪ ،‬وكذلك فى مجال الإنشاء ـ التشغيل ــ الصيانة ‪ ،...........‬وهكذا‪،‬‬
       ‫عمليات طرح وإبرام وتنفيذ عقود المشاركة‪ ،‬ويكون قرار اللجنة بالبت فى التظلم‬        ‫وهو صورة مستحدثة لعقود الأشغال العامة والتزام المرافق العامة ذات البعد‬
       ‫نهائياً ونافذاً‪ ،‬وتلتزم به الجهة الإدارية التى عليها الانصياع لها تنفيذا‪ ،‬وعليه‬  ‫الاستثمارى ومعروف دولياً باسم عقود الـ (‪ ،)PPP‬وأحد طرفيه شخص اعتبارى‬
       ‫فانه لا مراء ــ وانسجاماً مع سياسة الدولة التشريعية وتماشياً مع أهدافها ــ‬       ‫عام‪ ،‬والغرض والهدف منه هو تحقيق أغراض المرفق العام‪ ،‬ويتضمن شروطاً‬
       ‫فإن قرارات لجنة التظلمات هى قرارات ملزمة للجهة الإدارية‪ ،‬ويتعين عليها‬            ‫استثنائية غير مألوفة فى القانون الخاص حيث يمنح الجهة الإدارية سلطات‬
                                                                                        ‫واسعة فى رقابة المرفق ومراقبة شركة المشروع‪ ،‬إضافة إلى منحها الحق فى‬
                                                     ‫أن تضعها موضع التنفيذ‪.‬‬             ‫تعديل شروط العقد وفق ما يحقق المصلحة العامة‪ ،‬علاو ًة على حقها فى إنهاء‬
       ‫وشيدت المحكمة قضاءها ‪ ،‬فيما يتعلق بالشق الثانى من الطلب الاحتياطى‬                ‫العقد قبل المدة المحددة وذلك لدواعى المصلحة العامة مع تعويض المتعاقد إذا‬
       ‫الرامى إلى عدم سريان باقى أحكام قرار وزير التربية والتعليم رقم ‪ 59‬لسنة‬           ‫كان له مقتضى فى ذلك‪ ،‬ومن ثم فإن هذا العقد يعد من العقود الإدارية بطبيعتها‬
       ‫‪ 2021‬المطعون فيه على العقد محل النزاع ‪ ،‬على سند من أنه لما كان الثابت‬            ‫وتكون المنازعات الناشئة عنه منازعة إدارية تحكمها المبادئ المستقرة فى النظام‬
       ‫من الأوراق والمستندات أن وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى أصدر القرار‬        ‫القضائى المصرى والخاصة بهذا النوع من المنازعات ومنها أن روابط القانون‬
       ‫المطعون فيه رقم ‪ ٥٩‬لسنة ‪ ٢٠٢١‬بتنظيم عمل المدارس المنشأة بالمشاركة مع‬             ‫العام تختلف فى طبيعتها عن روابط القانون الخاص باعتبار أن الأولى تجد‬
       ‫القطاع الخاص لضمان التزامها بالسياسات التعليمية المقررة‪ ،‬والتزاماً بمقتضيات‬      ‫تبريرها استناداً إلى غرض حيوى وجوهرى هو كفالة حسن سير المرفق العام‬
       ‫الصالح العام وترجيحاً لها على ما قد يكون للأفراد من مصالح مغايرة أى‬              ‫واستقرار أوضاعه وهو الأمر الذى جعل للعقود الإدارية طبيعة مميزة وأحكام‬
       ‫أنه إجمالاً جاء بتنظيم قانونى متضمناً قواعد وإجراءات لتنظيم عمل المدارس‬          ‫خاصة لا تتسع لها العلاقات التعاقدية التى تخضع لروابط القانون الخاص‪،‬‬
       ‫المذكورة‪ ،‬وبالتالى فإن هذه القواعد من النظام العام والذى يقصد به تحقيق‬           ‫ولا يعنى ذلك استبعاد كل تطبيق لقواعد القانون الخاص فى منازعات العقود‬
       ‫مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى‬             ‫الإدارية ولكن يكون إعمالها فيما تتسع له من العلاقات الناشئة عن العقود‬
       ‫وتعلو على مصلحة الأفراد وكذلك لاتصالها بفكرة النفع العام‪ ،‬وواجبات مرفقية‬         ‫الإدارية أو المبادئ منها واجبة التطبيق لتعلقها بالأصول العامة للالتزامات‪،‬‬
       ‫عامة‪ ،‬ومصالح لها وزنها‪ ،‬وسلطات دولة تنظيمية وإشرافية ورقابية تمتد إلى‬            ‫وعلى ذلك فإنه لا ينبغى على القاضى وهو بصدد الفصل فى منازعة تتصل‬
       ‫المعاهد التعليمية جميعها‪ ،‬بغض النظر عمن يملكها أو يديرها‪ ،‬كل ذلك يعكس‬            ‫بعقد من العقود الإدارية أن يعمل فقط روابط القانون الخاص تغليباً لها على‬
       ‫بوضوح تعلق هذه القواعد بالنظام العام‪ ،‬فضلاً عن أن المادة (‪ )96‬من القرار‬          ‫روابط القانون العام التى تتفق وطبيعة العقود الإدارية‪ ،‬ما لم يوجد نص ملزم‬
       ‫المطعون فيه رتبت جزا ًء مالياً ــ توقيع غرامة اتفاقية ــ بحد أدنى مبلغ عشرة‬      ‫بذلك‪ ،‬باعتبار أن روابط القانون العام تمنح جهة الإدارة كسلطة عامة طرف‬
       ‫ملايين جنيه وحد أقصى مائة مليون جنيه فى حالة مخالفة أى بند من بنود‬               ‫فى عقد إدارى يتصل بتسيير مرفق عام بعض الامتيازات تغليباً لوجه الصالح‬
       ‫عقد الشراكة المبرم بشأن المدرسة فإن القواعد المقررة بالقرار المطعون فيه تكون‬     ‫العام‪ ،‬وعلى ذلك فإن علاقة المتعاقدين فى هذه العقود لا تستند فقط إلى‬
       ‫متعلقة بالنظام العام‪ ،‬ولما كانت القواعد المقررة بقانون التعليم رقم ( ‪ 139‬لسنة‬    ‫الشروط التعاقدية‪ ،‬وإنما أيضاً إلى القواعد التنظيمية للمرفق العام تغليباً‬
       ‫‪ ) 1981‬آمرة ومتعلقة بالنظام العام‪ ،‬وكان قرار وزير التربية والتعليم والتعليم‬      ‫للصالح العام على المصلحة الخاصة‪ ،‬ويكون المتعاقد مع جهة الإدارة على علم‬
       ‫الفنى رقم ( ‪ 59‬لسنة ‪ ) 2021‬قد صدر تنفيذاً لأحكام قانون التعليم المشار‬            ‫بهذه الطبيعة الاستثنائية لتلك العقود وقابل لها وهو ما تعكسه موافقته على‬
       ‫إليه‪ ،‬فإنه يستمد منها قوته من أحكام هذا القانون وتكون أحكامه بذلك آمرة‬           ‫التعاقد مع جهة الإدارة‪ ،‬ومع ذلك لا تؤثر تلك الطبيعة الاستثنائية على حقوقه‬
       ‫متعلقة مثلها بالنظام العام وتسرى بأثر فورى مباشر على العقد محل النزاع‪،‬‬           ‫المالية المتفق عليها والتى تظل مصانة لا تستطيل إليها آثار السلطات المخولة‬
       ‫الأمر الذى يضحى معه طلب الشركة المدعية عدم سريان باقى أحكام قرار‬                 ‫للإدارة فى هذه العقود‪ ،‬والطبيعة الاستثنائية لهذه العقود والتى تعقدها جهة‬
       ‫وزير التربية والتعليم رقم ‪ 59‬لسنة ‪ 2021‬على هذا العقد‪ ،‬غير قائم على ما‬            ‫الإدارة بوصفها سلطة عامة تظل سمة لتلك العقود حتى لو جاءت فى صورة‬
       ‫يسانده وأحكام الواقع والقانون‪ ،‬خليقاً بالرفض‪ ،‬هذا من جانب ‪ ،‬ومن جانب‬             ‫مركبة أو مختلطة مثل العقد محل النزاع الماثل‪ ،‬فيكون للجهة الإدارية سلطة‬
       ‫آخر‪ ،‬فإن العقد محل النزاع يعد إدارياً تأخذ فيه جهة الإدارة بوسائل القانون‬        ‫وضع الأنظمة التى تراها ملائمة لسير المرافق العامة بانتظام واضطراد‪ ،‬وكذلك‬
       ‫العام بوصفها سلطة عامة‪ ،‬وهى بهذه المثابة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع‬          ‫لها تعديل هذه الأنظمة بما تراه متفقاً مع الصالح العام دون أن يكون لأحد من‬
       ‫بها المتعاقد معها سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً ‪ ،‬وفى هذا النوع من‬        ‫الناس الادعاء بحق مكتسب فى استمرار نظام معين‪ ،‬فذلك حق أصيل لتلك‬
       ‫العقود تعبر جهة الإدارة بما تصدره بشأنها من قرارات عن إرادتها لا يحدوها‬          ‫الجهة مرده إلى فكرة المرفق العام وما يقتضيه سيره وانتظامه لأنه أمر تقتضيه‬
       ‫فى ذلك إلا تحقيق الصالح العام‪ ،‬وعلى ذلك فإن علاقة المتعاقدين فى هذه‬

‫‪43‬‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48