Page 22 - مجلة تنوير 3
P. 22
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
نحـن مطالبـون بإعـادة النظـر فـى مـدى فاعليـة مجلــــــــــــــــة
منظومـة القيـم وصياغـة نسـق بديـل لفهـم تحديـات
العصـر ومـا يطـ أر نتيجـة لمشـكلات التغريـب وتصـادم الأديـان ،واكتشـف البشـر أنـه برغـم التقـدم
وثقافـة الغـرب وتحديـات التكنولوجيـا ومـا ينتـج عـن العلمـي الهائـل ،فإنـه لـم يخلـف و ارءه إلا تيـا ارت
التعصـب والعنـف والعنصريـة .وقـد عانـت الحضـارة
تطبيقهـا مـن سـلبيات. الغربيـة مـن غربـة الـروح ،وأدت هـذه الغربـة إلـى
الانفصـال بيـن الحيـاة الماديـة والقيـم الإنسـانية.
آليات تجديد الثقافة العربية أمـا نحـن فنختلـف عـن الغـرب ثقافًّيـا ،وت ارثنـا
الثقافـي أكثـر رسـو ًخا؛ لأن بعثنـا الثقافـي والفكـري
قضيتنـا هـي إعـادة تجديـد الهويـة الثقافيـة ،وهـذا هـو بعـث قيمـي فـي المقـام الأول .وليـس معنـى
يتطلـب التأكيـد – كمـا سـبق أن ذكرنـا – علـى قيمـة ذلـك الشـك فـي قيمـة العلـم؛ لأنـه لـم يعـد أحـٌد يشـك
الإنسان والعقل الإنساني ومنحه الأولوية في إد ارك فـي ذلـك بالنسـبة إلـى مسـيرة حياتنـا كلهـا ،ولا إلـى
الوجـود وإبـداع العالـم .فالقاسـم المشـترك لـكل نمـوذج الآثـار الناجمـة لتطبيقاتـه التكنولوجيـة التـي أدت
حضـاري وقيـاس درجـة التحديـث والتقـدم فيـه ،هـو بشـكل ملحـوظ إلـى تيسـير الحيـاة مـن حولنـا فـي
الاحتـكام لمنطـق العقـل .هـذه الحركـة العقلانيـة
التـي حدثـت فـي مطلـع النهضـة العربيـة لـم تكـن شـتى المجـالات ،لكـن يبقـى تسـاؤل:
اسـتعارة سـلبية لنمـوذج مغايـر فـي تربـة مختلفـة،
وإنمـا هـي محصلـة تفاعـل نابـع مـن التسـاؤلات التـي «هـل تكفـى النهضـة العلميـة ليقظـة الوعـى
طرحهـا واقعنـا – حاضرنـا – المتغيـر فـي تطلعـه العربـى الثقافـى؟ هـل تسـتطيع هـذه النهضـة العلميـة
تعميـ َق حِّسـنا الأخلاقـى والاجتماعـى والدينـى فـى
إلـى الغـد المتقـدم. القضـاء علـى كل العقبـات التـى تعرقـل تقدمنـا؟ هـل
هـى قـادرة علـى توحيـد نظرتنـا إلـى الحيـاة وتجميعنـا
يعـد الأخـذ بمبـدأي الحريـة والديمق ارطيـة
والتعدديـة الثقافيـة وحقـوق الإنسـان ،ملازًمـا للتجديـد حـول هـدف واحـد وإنقاذنـا مـن الفرقـة والتشـتت؟
والتقـدم ،فـي حيـن أن الاسـتبداد والطغيـان والإرهـاب
ملازمـون للتخلـف ،وقـد أثبـت التجـارب – عبـر نحـن نعتقـد أن منظومـة القيـم بمـا تشـمله مـن
عصور مختلفة – أنه لا تقدم أو نهوض أو تجديد أخـاق وأعـ ارف – بـل وأي ًضـا الديـن – هـي وحَدهـا
إلا مـع الحريـة ،وقبـول الـ أرى والـ أرى الآخـر وتعـدد القـادرة علـى ذلـك ،فضـاً عـن أنهـا لا تتضمـن
مـا يتعـارض بأخذنـا بـكل أسـباب النهضـة العلميـة
وجهـات النظـر.
والتكنولوجي ـة.
إذا أردنـا التواصـل مـع أنفسـنا ،أو التواصـل مـع إن أكبـر دليـل علـى أهميـة العلـم فـي حياتنـا
الآخـر ،فـا بـد مـن تفهـم الآخـر. المعاصـرة ،وإلـى ضـرورة إكسـابه أبعـاًدا أخلاقيـة
وإنسـانية هـو هـذا الاهتمـام المت ازيـد – عنـد
يقول هانتنجتون – في معرض حديثه عن ص ارع المتخصصيـن والمثقفيـن – بالعلـم ونتائجـه مـن
الحضـا ارت – «لـن تكـون هنـاك حضـارة عالميـة جانـب ،وبقضايـا الإنسـان والأبعـاد الأخلاقيـة للعلـم
واحـدة ،بـل عالـم يفهـم حضـا ارت مختلفـة ينبغـي أن
مـن جانـب آخـر.
22