Page 76 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 76

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬              ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الأصيـل طـوال حياتـه (إيهـاب المـاح‪.)2005 ،‬‬                                                        ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫وهـو حيـن يعـرض لحيـاة «سـرفانتس» مؤلـف‬                   ‫مقدمـة كتابـه الـذي ض ّمنـه رسـالته للماجسـتير‬
‫الروايـة الأسـبانية «دون كيشـوت» فكأنـه يـروي عـن‬         ‫ونشـره عـام(((‪« :1969‬بـدأت هـذا البحـث غارًقـا‬
‫حياتـه ففـي كتابـه (الإنسـان موقـف) يكتـب عنـه‪:‬‬           ‫حتـى أذنـي فـي الفكـر المثالـي‪ ،‬هادًفـا لاتخـاذ‬
‫«ولـد سـرفانتس عـام ‪ ،1547‬وعـاش حيـاة عامـرة‬              ‫«المصادفـة» معـولاً لتقويـض الموضوعية العلمية‪..‬‬
‫بالحـروب والمؤامـ ارت والاتهامـات‪ ،‬وكان جندًّيـا‬          ‫ومـا لـم أعتـرف بـه فهـو أنـي خـال البحـث؛ بـل فـي‬
‫لـه عقيدتـه‪ ،‬يحـارب بهـدف‪ ...‬وكان مثـالاً حقيقًّيـا‬       ‫مرحلـة متقدمـة منـه‪ ،‬التقيـت بكتـاب «الماديـة والنقـد‬
‫للمفكـر البطـل‪ ،‬الـذي يخمـل أخطـر المسـئوليات‬             ‫التجريبـي» لمؤلفـه لينيـن‪ ،‬الـذي قادنـي بـدوره إلـى‬
‫فـي بسـالة‪ ..‬كانـت عودتـه إلـى وطنـه بدايـة لمعـارك‬       ‫كتـاب «جـدل الطبيعـة» لإنجلـز‪ .‬وكان هـذا حدثًـا‬
‫أعنـف مـن المعـارك السـابقة‪ ،‬إلا أنهـا أشـد دهـاء‬         ‫فك ًرّيـا فـي حياتـي‪ ،‬قلـب تصو ارتـي الفلسـفية أر ًسـا‬
‫وخفـاء‪ ..‬كانـت معـارك اضطهـاد مـن جانـب‬                   ‫علـى عقـب فأمسـكت بالمعـول نفسـه ورحـ ُت أقـّوض‬
‫السـلطات الأسـبانية‪ ،‬ومـن محاكـم التفتيـش‪ ،‬علـى‬           ‫بـه الفكـر المثالـي الـذي كان يسـتغرقني تما ًمـا‪ .‬وأبـدأ‬
‫أن أشـد مـا كان يشـعره بالألـم هـو حرمانـه مـن‬
‫ممارسـة بطولتـه‪ ،‬كمواطـن أسـباني»‪( .‬محمـود‬                                    ‫مرحلـة جديـدة مـن الحيـاة»‪.‬‬

                  ‫أميـن العالـم‪)173 ،2001 ،‬‬               ‫وقـد تعـرض «أميـن العالـم» إلـى السـجن والنفـي‪،‬‬
                                                          ‫وتـم إسـقاط الجنسـية المصريـة عنـه لمعارضتـه‬
‫وفـي نفـس السـياق أثـارت روايـة «دون كيشـوت»‬              ‫السـلطة‪ .‬هـو المثقـف المهمـوم بقضايـا الوطـن‬
‫فيلسـوف الأدبـاء وأديـب الفلاسـفة «زكـي نجيـب‬             ‫وأسـئلة الحداثـة والتقـدم والنهـوض والخـروج مـن نفـق‬
‫محمـود»؛ فهـو يسـبر غـور الروايـة فـي إطـار مـن‬           ‫العصـور المظلمـة إلـى آفـاق العصـور الحديثـة‪.‬‬
‫التحليـل الفلسـفي الـذي يسـتوجب منـا إعمـال العقـل‬        ‫المثقـف الـذى سـعى طـوال عمـره إلـى ترسـيخ‬
‫الفلسـفي والاجتماعـي والأدبـي فـي آن‪ ،‬ويحـاول‬             ‫معارفـه الإنسـانية والفلسـفية‪ ،‬وصقـل تكوينـه الفكـرى‬
‫فيلسـوفنا أن ُيسـقط الصـورة ال ُمحزنـة لحقيقـة «دون‬       ‫والنقـدى‪ ،‬وتعميـق مواقفـه النضاليـة المناوئـة للثقافـة‬
‫كيخوتـه» علـى واقـع مجتمعنـا العربـي وخاصـ ًة علـى‬        ‫الإمبرياليـة والصهيونيـة والغـزو الثقافـى وقضايـا‬
                                                          ‫الحداثـة والهويـة الثقافيـة والأصالـة والمعاصـرة‬
                    ‫طـ ارز مـن المثقفيـن العـرب‪.‬‬          ‫وإشـكالية العلاقـة بيـن المثقفيـن والسـلطة والتحليـل‬
                                                          ‫النقـدى لموقـف الفكـر العربـى المعاصـر من الت ارث‪،‬‬
‫الصـورة المحزنـة لحقيقـة «دون كيشـوت»‪ ،‬هـي‬                ‫وهـى القضايـا التـى ظلـت شـغله الشـاغل وانشـغاله‬
‫صـورة تصـدق علـى كل مرحلـة تاريخيـة تتوسـط‬
‫بيـن عصريـن‪ ،‬كل منهمـا لـه ضـرب مـن القـوة‪،‬‬               ‫((( موضوع رسـالته للماجسـتير بعنوان ‪( :‬فلسـفة المصادفة‬
‫فعجـزت تلـك الفتـرة الانتقاليـة عـن تمثـل الماضـي‬                ‫الموضوعية فى الفيزياء الحديثة ودلالتها الفلسـفية)‪.‬‬
‫فـي قوتـه لتصبـح امتـداًدا لـه‪ .‬كمـا عجـزت عـن‬
‫تقبـل السـبل التـي تمكنهـا مـن الانتقـال إلـى العصـر‬      ‫يقـول محمـود أمـن العـالم‪ ( :‬لقـد حصلـت بـه عـى درجـة الماجسـتير‬
                                                          ‫في الفلسـفة مـن جامعـة القاهـرة في يونيـه ‪ .1953‬إلا أنـه في الحقيقـة‬
                                                          ‫لم يكـن يسـتهدف هـذه الغايـة ‪ .‬لم يكـن بحثـا عـن درجـة علميـة‪ ،‬بـل‬

                                                                          ‫كان بحثـا عـن الحقيقـة‪ ،‬عـن الاسـتقرار الفكـري)‪.‬‬
                                                                                                                ‫	‬

                                                      ‫‪76‬‬
   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81