Page 77 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 77

‫المجلس‬                        ‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

        ‫مجلــــــــــــــــة‬

        ‫الجديـد‪ .‬صـوة كهـذه تـ ارود صاحبنـا خشـية أن إنسـان ثقافتـه التـي تتمثـل فـي رؤيتـه الفكريـة للعالـم‬

        ‫يكـون فيهـا مـا يصـدق علـى طـ ارز مـن المثقفيـن وسـلوكه العملـي والاجتماعـي والوجدانـي فيـه‪ ،‬سـواء‬

        ‫كان واعًيـا بهـذا أو غيـر واٍع؛ ولهـذا فهـدف التثقيـف‬         ‫العـرب فـي يومـا هـذا ‪ ...‬صـورة كهـذه أخـذت تـ ارود‬
        ‫أحياًنـا قـد يكـون هـو التفريـغ الثقافـي لا التثقيـف‪،‬‬         ‫صاحبنـا خشـية أن يكـون فيهـا مـا يصـدق علـى‬
        ‫التفريـغ الثقافـي – نقدًّيـا – مـن أجـل إعـادة التثقيـف‪،‬‬      ‫طـ ارز مـن المثقفيـن العـرب فـي يومنـا هـذا‪ ،‬قـد ُيعـد‬
                                                                      ‫أفـ ارده بمئـات الألـوف ‪ ...‬فهـؤلاء هـم بمثابـة «دون‬
        ‫أي يكـون التثقيـف نقـًدا ونق ًضـا وتغييـًار للبنيـة‬           ‫كيشـوت» ضـرب وجـوده فـي هـذا العـدد الضخـم‪،‬‬
        ‫الثقافيـة المسـيطرة مـن أجـل إرسـاء بنيـة ثقافيـة‬

                              ‫ممـن يحيـون حياتهـم بعـروق أفرغـت مـن دمائهـا جديـدة مختلفـة‪.‬‬

        ‫والواقـع أن الجـد َل ُيثـار حـول المثقـف بـد ًءا مـن‬          ‫لتمتلـئ بمـداد جمـل وكلمـات وحـروف جمعوهـا مـن‬
        ‫المفهـوم ذاتـه حتـى إن بعـض المفكريـن يـرى فـي‬
        ‫تعريـف المثقـف محاولـة فاشـلة والجـري و ارء مثـل‬              ‫مطالعـات تكـررت ألـف مـرة حتـى ُحفظـت حف ًظـا‬
        ‫هـذه المحاولـة أشـبه بملاحقـة سـ ارب بقيعـة فـي‬               ‫لتعـود فتتدفـق كلمـا حانـت فرصـة لمقـالات تنشـر‬
        ‫بيـداء قاحلـة (علـي فهمـي‪ ،1988 ،‬ص ‪ )521‬بـل‬
        ‫إن الغمـوض الـذي اكتنـف هـذا المفهـوم المشـكل‬                 ‫أو أحاديـث تُـذاع‪ ،‬فـا هـي جاءتنـا بحيويتهـا التـي‬
        ‫أدى إلـى إثـارة واضطـ ارب المناقشـة حـول هويـة‬                ‫كانـت لهـا فـي شـباب خياتهـا‪ ،‬ولا هـي طوعـت فـي‬
        ‫المثقـف ووظيفتـه ودوره(‪,James Macgregor‬‬
                                                                      ‫دلالاتهـا لتبقـى نصوصهـا مـع ربطهـا بظـروف‬

                                                                      ‫الحيـاة الجديـدة «‪( .‬زكـي نجيـب محمـود‪،2005 ،‬‬

                                                                                                ‫ص ‪)382 – 380‬‬

                              ‫وهكـذا يتخـذ «زكـي نجيـب محمـود» مـن «دون ‪)p141 ,1978‬‬

        ‫ويعتقـد «بـول فاليـري» ‪ Paul Valery‬أنـه غيـُر‬                 ‫كيشـوت» رمـًاز للتصـور حـول المثقـف فهـو يعتقـد‬
        ‫قـادر علـى تفسـير كلمـة «مثقـف» لطفـل أو حتـى‬                 ‫أن شـا ارت المثقفين تتغير مع العصور‪ ،‬وربما كان‬
                                                                      ‫جانـب الغ اربـة فـي شـخصية «دون كيشـوت» هـو‬
        ‫لنفسـه‪ ،‬وهـي فـي ذات الوقـت كلمـة لا تمثـل أي‬                 ‫أنـه وضـع علـى صـدره شـارة عصـر كان قـد ذهـب‬
                                                                      ‫وانقضـى وأصبـح النـاس يحيـون فـي ظـروف أخـرى‬
        ‫صعوبة لأي شـخص آخر‪ ،‬وفًقا لذلك فإنه يرى أن‬                    ‫تسـتوجب مـن المثقـف شـارة أخـرى تعكـس سـمات‬
        ‫إثـارة الكلمـة والتفكيـر فيهـا يفجـر تصـو ارت مختلفـة‬
                                                                                                   ‫العصـر وظروفـه‪.‬‬
        ‫كلهـا سـاذجة(‪)p14 ,1966 ,Paul Valery‬‬
        ‫ومـن هنـا ُيعـد مفهـوم المثقـف واحـًدا مـن بيـن عـدٍد‬                               ‫ثانًيا‪ :‬من هو المثقف؟‬
        ‫قليـل مـن المفاهيـم الحديثـة والغامضـة؛ حيـث إن‬                         ‫إطلالة نظرية حول ضبابية المفهوم‬

        ‫مجـرد ذكـره قـد يثيـر نقا ًشـا واختلاًفـا حـول معنـاه‬         ‫يعتقـد شـي ُخ المثقفيـن «أميـن العالـم» أن النـا َس‬
            ‫وتقييمـه ( ‪)p vii ,1966 ,Lewis Coser‬‬                      ‫جمي ًعـا وبغيـر اسـتثناء مثقفـون‪ ،‬وإن لـم يمارسـوا‬
                                                                      ‫جمي ًعـا وظيفـة المثقـف فـي المجتمـع؛ ذلـك أن لـكل‬
        ‫ويرجع بداية استخدام مفهوم المثقف في الأدبيات‬

                                                                  ‫‪77‬‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82