Page 82 - مجلة التنوير - العدد الثالث - نسخة لمستخدمي الآيفون
P. 82

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                   ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫خام ًســا‪ :‬أميــن العالــم ورؤيتــه حــول‬                   ‫يقـول فـي كتابـه «الوعـي والوعـي ال ازئـف فـي الفكـر‬
           ‫إشــكالية التــ ارث والمعاصــرة‬
                                                            ‫العربـي المعاصـر»‪( :‬إن هـذا الكتـاب قـد ُكتبـت‬
‫وصـف «أميـن محمـود العالـم» القضية الأساسـية‬                ‫وُنشـرت كل مقالاتـه فـي الفتـرة مـا بيـن عـام ‪1974‬‬
‫التـي تطغـى فـي كتابـه (الوعـي والوعـي ال ازئـف فـي‬         ‫حتـى عـام ‪ 1985‬أي فـي مرحلـة الـرده علـى ثـورة‬
‫الفكـر العربـي المعاصـر) قائـاً‪( :‬إن الكتـاب يطغـى‬
‫علـى أغلـب مقالاتـه موضـوع واحـد هـو التحليـل‬               ‫يوليـو‪ ،‬أمـا كتـاب معـارك فكريـة فـإن أغلـب مقالاتـه‬
‫النقـدي لموقـف الفكـر العربـي المعاصـر من الت ارث)‬
                                                            ‫قـد ُكتبـت وُنشـرت فـي مرحلـة السـتينيات بيـن عـام‬
                                                                              ‫‪ 1950‬وحتـى عـام ‪.)1965‬‬

‫وتحـت عنـوان (طريـق الأصالـة والمعاصـرة)‬                    ‫ولهـذا قـد يغلـب علـى مقـالات الكتـاب الثانـي‬
‫يرفـض المقارنـة الفجـة بيـن الموقفيـن؛ حيـث يعتقـد‬          ‫«معـارك فكريـة» الطابـع السياسـي الدعائـي‪ ،‬علـى‬
‫أن الموقـف مـن التـ ارث الماضـي هـو دائ ًمـا موقـف‬          ‫حين يغلب على مقالات هذا الكتاب الطابع النظري‬
‫مـن الحاضـر المسـتقبل‪ ،‬إنـه فـي الحقيقـة موقـف‬              ‫النقـدي‪ ،‬علـى أنـي أحـب أن أقـرر فـي مقدمـة هـذا‬

‫الكتـاب الـذي يتخـذ لنفسـه عنـوان الوعـي والوعـي واحـد مـن التاريـخ؛ ولهـذا فـا ثنائيـة بيـن الأصالـة‬

‫ال ازئـف أن بعـض مقـالات الكتـاب القديـم (معـارك والعصريـة‪ ،‬والقـول بالثنائيـة بينهمـا هـو حكـم مقـارن‬

‫بيـن موقفيـن مختلفيـن‪ ،‬وليـس تقيي ًمـا لأي موقـف‬            ‫فكريـة) لا يغلـب عليهـا فحسـب الطابـع السياسـي‬
‫منهمـا‪ .‬فالـذي يرفـض العصريـة باسـم الأصالـة‪ ،‬لا‬            ‫الدعائـي‪ ،‬بـل تفتقـد أحياًنـا الدقـة النظريـة والعلميـة‬
‫يقيـم ثنائيـة بينهمـا‪ ،‬وإنمـا يسـعى لفـرض الماضـي‬           ‫والمنهجيـة‪ .‬وعندمـا أقـ أر بعضهـا هـذه الأيـام أكاد‬
‫علـى الحاضـر‪ ،‬والـذي يرفـض الأصالـة باسـم‬                   ‫أنكـر بـل أسـتنكر كتابتـي لهـا‪ ،‬وأتسـاءل‪ :‬كيـف تـم‬
‫العصرية‪ ،‬لا يقيم ثنائية بينهما كذلك‪ ،‬وإنما يسـعى‬            ‫هـذا؟! والملاحظـة النقديـة الأساسـية التـي أوجههـا‬
‫لإفـ ارغ الحاضـر مـن ُبعـده التاريخـي‪ .‬والمقارنـة بيـن‬      ‫إلـى بعـض هـذه المقـالات هـي أن تحليلاتهـا تفتقـر‬
‫الموقفين هي التي تصنع هذه الثنائية بين الأصالة‬              ‫إلـى الرؤيـة الطبقيـة الدقيقـة‪ ،‬بـل تسـقط أحياًنـا فـي‬
‫والعصريـة‪ ،‬وليـس هنـاك موقـف مـن العصريـة لا‬                ‫توفيقيـة‪ ،‬وتجنـح أحياًنـا أخـرى إلـى أحـكام إطلاقيـة‬
                                                            ‫فـي وصـف بعـض ظواهـر التجربـة الناصريـة؛ ممـا‬
                   ‫يتضمـن موقًفـا مـن الأصالـة‪.‬‬             ‫يجعلهـا أقـرب إلـى التبريريـة‪ ،‬وممـا يخرجهـا عـن‬

‫إن كل تسـاؤل عـن «الـذات» هـو دائ ًمـا تسـاؤل‬                 ‫المنهـج الماركسـي الدقيـق فـي تحليـل الظواهـر‪.‬‬
‫فـي مواجهـة «الموضـوع»‪ ،‬وكل موقـف مـن‬
‫«الموضـوع» هـو فـي جوهـره موقـف مـن «الـذات»‪،‬‬               ‫وهـو فـي نقـده وم ارجعتـه لأفـكاره وتحليلاتـه لا‬
‫فعندمـا أجيـب عـن سـؤال «مـن أنـا» تصـدر إجابتـي‬            ‫يقـدم تبريـًار قـدر مـا يهـدف إلـى تقديـم تفسـير لذاتـه‬
‫عـن سـؤال آخـر سـابق هـو «أيـن أنـا مـن عصـري»؛‬             ‫أولاً قبل الق ارء‪( ..‬ما أريد في كلمتي هذه أن أسعى‬
‫ولهـذا فالموقـف مـن «الـذات» يصـدر دائ ًمـا عـن‬             ‫لتبريـر هـذه النواقـص‪ ،‬أو أن أعتـرف بهـا اعت ارًفـا‬
                                                            ‫مسـيحًّيا‪ ،‬وأكتفـي بنقـد ذاتـي مظهـري تطهـري‪ ،‬وإنمـا‬
                    ‫الموقـف مـن «الموضـوع»‪.‬‬                 ‫أحاول أن أفسرها لنفسي قبل أن أفسرها للق ارء‪ ،‬وإن‬

‫ويشـير «أميـن العالـم» إلـى موقـف المفكـر «زكـي‬                     ‫كنت أعد تفسيرها للق ارء مسئولية واجبة)‪	.‬‬
‫نجيـب محمـود» فـي كتابـه «تجديـد الفكـر العربـي»‬
‫حيـن يطـرح تسـاؤله الجوهـري‪« :‬كيـف ُيتـاح للعربـي‬

                                                        ‫‪82‬‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87